TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > عالم آخر: افراسياب قادم أيها المتشددون

عالم آخر: افراسياب قادم أيها المتشددون

نشر في: 7 مارس, 2012: 09:33 م

 سرمد الطائيقبل 500 عام يوم كان الناس لا يخجلون من التصريح بأسمائهم وانتماءاتهم القومية.. كانت كل الفئات تعيش في كنف العراق بوصفه عاصمة سابقة للإمبراطورية. وكان علي بن افراسياب يومها مالك سفن عراقي من أصول سلجوقية، ينقل البضائع ويقيم في قلعة عند ملتقى النهرين بالقرنة ليدير حركة الملاحة وتجارة الخيول والتوابل القادمة من الهند نحو أوروبا أو العكس.
 ووسط هذا التنوع كان الوالي العثماني يخفق في الحصول على دراهم لدفع مرتبات الموظفين والجند، ما جعل التاجر يفكر بسيناريو رهيب للإصلاح.ويومذاك كان يكفي لرجل فاشل أن يطيح بنسق ناجح، فحين تنتدب الدولة العثمانية واليا ناجحا من البصرة الى حرب البلقان، تدفع برجل آخر فاشل محله. يدخل الرجل القادم من جبال معزولة جنوب تركيا، الى الميناء فيرعبه التنوع. هنا لهجات أوروبية لتجار بنادقة، وهناك معبد هندوسي لبحارة جاؤوا من الهند. يرتبك ويأمر بذبح 10 من الهندوس بتهمة الكفر، كما يذكر الرحالة كازبارو بالبي في أحداث عام 1560. يضج الميناء وتحدث بلبلة ويغادر أهل الديانات والخواجات، فيهرع شاهبندر التجار مع الوجهاء ويراسلون اسطنبول بحثا عن حاكم عاقل، وهلم جرا.ويبدو أن افراسياب عاصر واليا مشابها، جاهلا بمكانة موقعه التجاري، والجهل جعله يفلس فلا يجد ما يدفع للجند والأفندية. فقرر التاجر العراقي ان "يشتري البصرة". اخذ كيسين من الدراهم وحل المشكلة، فدفع أجور الأفندية والجندرمة، وأعطى كيسا للوالي المتلكئ واخذ مفتاح القشلة وختم الولاية. ثم راح يتصرف بدبلوماسية تليق بمركز المدينة الدولي ففتح 20 قنصلية دفعة واحدة للدول المهمة، واستأجر بوارج برتغالية للدفاع عن المدينة وطورت أسرته شؤون الملاحة والتجارة والعلوم طيلة 150 عاما في أجواء انفتاح وازدهار ندر ان تعرفها البلاد.حكاية افراسياب هذه لها مثيلات كثيرات، فكلما حكم مدننا التشدد عاد اليها الانفتاح كقدر يلازم وقوعها على خطوط الملاحة والترانزيت التجاري الدولي.. ومثل البصرة كل العراق الذي نجح النظام العالمي في استعادته مؤخرا بعد عقود على اختطافه وعزله من قبل صدام حسين. ان شبكة المصالح الدولية التي نعود الى قلبها تدريجيا، لن تستطيع ان تفهم اي محاولة مماثلة لاختطاف البلاد وعزلها، وهذه الشبكة المعقدة من المصالح ليست قرارا لسفير دولة عظمى او مجرد تحالف مع شركة نفط كبيرة، بل هي قواعد رؤوس الأموال في البحث عن الحياة وصناعتها وحمايتها وتنميتها.. وهو القدر الذي بدأنا مؤخرا بالخضوع له كما حصل في لحظة افراسياب بالضبط، وستظهر نتائجه بعد حين.ومثل ولاة الفشل الغابرين، يحلم المتشددون اليوم انهم يحكمون جزيرة معزولة في المحيط الهادي، في وسعهم ادارتها كيفما شاؤوا. وان حلفاءهم المهووسين بالقنابل والمفخخات على جبهات كل الطوائف، سيظلون قادرين على إمدادهم بما يستلزم الانفراد بحكم الجزيرة المنزوية. وان اهل جزيرتنا هذه قد استسلموا لـ"حكمة" سلاطيننا وخولوهم التحكم بمصائر شبابنا وطريقة حياتهم وما يلبسون ويأكلون ويشربون.. والأمر يصل حد القتل هذه الأيام.لكن حركة الأشياء من حولنا تقول ان حلم متشددينا قصير الأمد وان الحداثة والتغيير تعصف بكل الناس بما فيهم الأوساط الدينية ذاتها. فالتشدد حين ينفلت ويفصح عن رعونته، يبدد تطلعات الجميع نحو السلام والاستقرار، فالمتشدد الديني الذي يعكر صفو المجتمع الحديث، سرعان ما يهدد مصالح الجماعة المتدينة ذاتها برعونته وغلوائه، ويكفي ان كبريات الاحزاب الاسلامية مشغولة منذ عقد بمحاولة التبرؤ من ابن لادن وولاية الفقيه و"غزواتهما" الشهيرة.كل شباب العراق يتطلعون لحياة تشبه ما يتاح لأقرانهم في ماليزيا او تركيا. وكل رجال الأعمال من مختلف التيارات، يحلمون باستقرار يحرك الأموال ويوطد المصالح ويأتي بالعالم المتقدم الى هنا. والشباب المتطلع للحداثة كما الشباب الذي يؤم دور العبادة، مستاء من متشددين في السلطة يفشلون في توفير الكهرباء ورفع القمامة، وينهمكون في ملاحقة ملبس الناس ومشربها ولون حياتها. لكن ألف افراسياب سيظل يأتي من المستقبل مع "بوارج البرتغال" ورؤوس أموال العالم المتقدم التي تحرك أعقد المصالح، ولا ضمانة لمستقبل كل دين الا باحترام التعايش والاعتدال، كما تقول لعبة العالم المعاصر الذي يكره الولاة الفاشلين ويمنعهم من تحويل "درة التاج" الى جزيرة معزولة مرة أخرى.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

أوس الخفاجي: إيران سمحت باستهداف نصر الله وسقوط سوريا

عقوبات قانونية "مشددة" لمنع الاعتداء على الأطباء.. غياب الرادع يفاقم المآسي

مدير الكمارك السابق يخرج عن صمته: دخلاء على مهنة الصحافة يحاولون النيل مني

هزة أرضية جنوب أربيل

مسعود بارزاني يوجه رسالة إلى الحكومة السورية الجديدة

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram