TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > قرطاس: نون!

قرطاس: نون!

نشر في: 9 مارس, 2012: 07:42 م

 أحمد عبد الحسينمهما قلتُ عن المرأة فالكلام أقلّ، ومهما احتفيتُ بها فهي أسمى. كتبتُ مرة " لن نكون كاملين أبداً ما دمنا لسنا ـ ولن نكون ـ نساءً"، واليوم وأنا أفكر في تدوين شيء عن المرأة العراقية في عيدها، وجدتُ نفسي أستعيد نصاً قديماً لي، عن نسائنا الباسلات الحزينات الجميلات الصابرات، اللواتي لم تبلغ نساءٌ مثلهن في مراتب الصبر ومراقي التحمّل ومديات اللطف. قلتُ:
هنّ الباسلات، ورثن بسالتهنّ من أيام مغرقة في القدم، أيام كانت الشمس أقرب، والسماء أكثر صفاءً، والتراب حتى التراب كان يكلّم الموتى والأحياء، يوم كانت آلهات العراق إناثاً قبل أن يستولي على المقدّس والمدنس رجل ويزجنا في ظلام.هنّ المقموعات بليل القرون الذي لا يريد أن ينتهي. لأن سواد عباءاتهنّ سواد العراق. هنّ الحزينات، يربين في وجدانهنّ ألماً وشيكاً على ابن ذهبوا به إلى مطامير لن يخرج منها، أو أتوا به من جبهة حربٍ تديم عرش طاغيةٍ كلما بتر رأسه ظهر له ألف رأس.هنّ المنسيّات، تأسس العراق الجديد في غيابهنّ، ونما وكبر على قمعهنّ، وتناوب عليه سادة وعبيد كلهم بُداة لأن في أذهانهم أن البشر رجال، والسياسيين رجال والمثقفين رجال وأكثر أهل الجنة رجال وأكثر أهل النار نساء!هنّ الجميلات يغرقن عيونهنّ كحلاً وقلوبهن كركرة أطفالٍ وينتظرن على عتبات البيوت عودة غائبين تتخطفهم وحوش شتى: سيارة مفخخة أو كاتم صوت بيد رجال يطلبون جنان خلدهم بسفك دم حرام.هنّ الحبيبات يتلفتن في الحدائق خوفاً على عشاقهنّ من شرطة المقدس المنافقين الذين يريدون استئصال الحياة من جذورها وفي بالهم أن مثالهم الأعلى فراديس تورا بورا الناضحة لبناً وعسلاً بعد أن أصبحتْ خالصة لوجه نفاق أخذ يضرب أطنابه في هذا الشرق المبتلى بعقائده الموجعة.هنّ الشجاعات إذا لاذ رجالهنّ بالجبن ستاراً يقيهم من الجوع والعوز ويدنيهم من لعق بقايا صحون أولي الحظوة، هنّ الزاهدات إذا تكالب أصحاب الشوارب على جيفةٍ يأكلونها بعد أن شبع منها أسيادهم، هنّ الممتلئات حكمة إذا استسلمنا نحن لغبائنا غباء القرون، هنّ الواضحات حين نعقّد نحن الدنيا وما فيها للتستر على جبننا وعارنا.هنّ بصبرهنّ وجمالهن وبسالتهنّ وعشقهنّ وخوفهنّ وفرحهنّ ورقتهنّ وذكائهنّ وحكمتهنّ وسهرهنّ وشجاعتهنّ ووعيهنّ وزهدهنّ ووضوحهنّ واحتمالهنّ وأحلامهنّ وتسامحهنّ، ليلهنّ ونهارهنّ، أمومتهنّ وطلاقة أرواحهنّ، عشقهنّ وخصامهنّ، رضاهنّ وغضبهنّ، فقرهنّ وغناهنّ، جمالهنّ وزينتهنّ، يعلمننا درساً كونياً كبيراً: أن العالم أخطأ خطأ فادحاً من العسير تلافيه الآن، إن هذا العالم الغبيّ وضع مقاديره بيد الرجال، فلنحصد الآن سوء تدبيرنا وقلة وعينا حين وثقنا بالرجل سيداً وتركنا أنفس ما ابتدعه الله: المرأة سيدة هذا العالم، وصاحبة عرشه الحقيقية التي رضيت مع ذلك أن تكون تحت سلطة الرجل الذي هو أدنى منها وأقلّ وعياً ورأفة ورحمانية.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

أوس الخفاجي: إيران سمحت باستهداف نصر الله وسقوط سوريا

عقوبات قانونية "مشددة" لمنع الاعتداء على الأطباء.. غياب الرادع يفاقم المآسي

مدير الكمارك السابق يخرج عن صمته: دخلاء على مهنة الصحافة يحاولون النيل مني

هزة أرضية جنوب أربيل

مسعود بارزاني يوجه رسالة إلى الحكومة السورية الجديدة

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram