 بغداد/ وائل نعمةهربت الطيور من أقفاصها، وحلق طير بني  ذو ريش كثيف فوق المنازل المتقاربة.... رصد دخان أبيض يخرج من تنور طين في فناء منزل شرقي تقف أمامه امرأة جنوبية بفوطة سوداء على رأسها، تضرب العجين وتناقله بين يدها بطريقة سحرية ثم تلصقه على جدار التنور...
في نهاية الشارع يسارع  الرجل العجوز الخطى ويرفع "دشداشته" عن الأرض وهو يوازن "ماعون القيمر" بين يديه خشية أن يسقط... انه يوم الجمعة في بغداد ، تكاد تخلو الشوارع من المارة والسيارات في ساعات الصباح الأولى، معظم سكان العاصمة يطلقون العنان للنوم الطويل والاستيقاظ يكون دون شروط، فيما آخرون يستقبلون اليوم من ساعات الفجر لأنه يوم الرزق الواسع .... رجل متوسط العمر يحمل كيس قماش يضعه على كتفه ويتجه به إلى سوق هرج الذي يشهد زحاما في يوم العطلة. يلفت انتباهه على جانب الطريق أصحاب الأفران الذين يستيقظون مبكرا أيضا في أيام الجمع  ليصطف مقابلهم طابور من الرجال والنساء المستيقظين قبل أطفالهم من اجل خبز حار ، "اترك أهلي نائمين وشخيرهم يصل الى باب البيت"، ويضيف حمودي صانع الخباز في منطقة المشتل "الجمعة نفتح المخبز باكرا وارتباطنا يكون مع أم القيمر".rnقيمر الحلة   ويعلو صوت بائعة "القيمر" ..."قيمر الحلة ..قيمر" الذي له حكاية مع الجمعة : حيث يعتبر قيمر الحلة من أفضل أنواع القيمر المنتج حتى أصبح يضرب به المثل لجودته وطعمه اللذيذ، والقيمر مادة غذائية جيدة ويعد إفطار الصباح الشهي  خاصة مع العسل، ويستخدم القيمر مضافاً إلى بعض الحلويات مثل كاهي بالقيمر والكنافة والبقلاوة بالقيمر وغيرها، وتنتشر بائعات القيمر في المحلات الشعبية والقديمة في بغداد وهن يحملن أطباق القيمر بطريقة مميزة على الرأس فهي تدور كعارضة أزياء دون أن تسقطه من على رأسها ، و كانت بائعات القيمر قبل سنين يستخدمن الأواني الفخارية أما اليوم فالأواني الورقية والبلاستيكية هي السائدة.تقول "أم يعرب" بائعة قيمر: سعره يتجاوز سعر اللحوم ...فالكيلو (الزين بـ 20 ألف دينار) . وتضيف " استيقظ من الفجر وأدور في بعض الأزقة مستخدمة صوتي ...قيمر الحلة ... حلة ...صوتي  رأس مالي"! ويضحك أبو سحر الرجل الخمسيني المقرفص أمام "صينية القيمر" وهو يرفع الغطاء المصنوع من "التول" حول صوت أم يعرب الجهوري وهو يقول "لولا صوتك لكنت الآن في الفراش" ، يتحدث الرجل بعد أن طلب من ام يعرب أن تضع له ربع كيلو في إناء بلاستيكي، " في كل يوم جمعة نأكل القيمر من الصباح ...انه يوم عطلة ويجب أن يكون مميزا". كما تستعد بعض النسوة ومنذ الساعات الأولى من صباح "الجمعة" لإرسال السمك إلى صاحب الفرن ، الذي يمتلئ فرنه بأنواع السمك "الكطان والبني". ومازال البغداديون محافظين على طريقة "السكف" منذ عشرات السنين.ولم تتبدل تلك العادات برغم التقنيات الحديثة التي دخلت على المطبخ العراقي، إذ بإمكانك أن تثبت (وتدين) مفردها (وتد) في الأرض ثم تعلق عليهما السمكة وتشعل تحتها الحطب وبعد نضوج السمكة تتناولها من دون إضافات أخرى، وفي الوقت الحالي كثيرا ما يشوى سمك (الكارب) بطريقة السقف لرخص سعره ولمذاقه الذي ترغبه اغلب العوائل العراقية، بحسب من يمارس هذه المهنة.rnباستثناء يوم الجمعة "سلام" الرجل الذي يرفع كيس القماش من على الأرض يجد صعوبة في حشر أغراضه في داخل  سيارة "الكيا" ، ويتملل الركاب من صعوده وهو يحمل أغراضا كثيرة ، باستثناء يوم الجمعة ،"السائق يقدم النصيحة لاختيار أفضل مقعد لي ولإغراضي ...إنها بركات يوم الجمعة"! في العادة لا يترك سائقو "الكيا" سياراتهم في أثناء صعود الركاب ، بينما في أيام الجمعة يتأخر ملؤها لأكثر من نصف ساعة ، يشير علاوي السائق إلى أن الركاب في يوم الجمعة قليلون جدا لاسيما في الصباح ، ويضيف " أبقى أتحدث مع زملائي في الكراج حتى اسمع صوت منبه السيارة يقوم بإطلاقه احد الركاب بعد أن تملأ بالكامل ...الجمعة مملة".rnمترو بغداد يتحدث سلام عن "مترو" بغداد السريع الذي يعمل في يوم الجمعة فقط ! الأنباء التي نسمعها عن مترو بغداد لا تسر ، فمرة يقول المسؤولون عن المشروع بان الخطط الأساسية قد وضعت والمبالغ المالية رصدت ، وتارة أخرى يقولون انه توقف لأسباب فنية . هذا وكانت أمانة بغداد قد اختارت سبع شركات عالمية من جنسيات مختلفة، منها أميركية وروسية وألمانية وفرنسية وكورية جنوبية لتقديم العطاءات لتنفيذ مشروع مترو بغداد، من أصل 28 شركة أبدت استعدادها للقيام بالمشروع، واعتبرت وزارة النقل المشروع بأنه يمثل نقلة كبيرة في إعادة إعمار العاصمة  من خلال إدخال التكنولوجيا الحديثة في وسائل نقل المواطنين. وستبلغ كلفة مشروع مترو بغداد الإجمالية قرابة ثلاثة مليارات دولار وسينفذ بمسارين مختلفين. سيبلغ طول المسار الأول 18 كم ويضم 20 محطة ويبدأ من نهاية