شاكر الأنباري حتى انعقاد القمة العربية في بغداد، فيما لو تم انعقادها، يتجه الشارع الى بحر من المعاناة لم يشهد لها مثيلا، خاصة على مستوى الحياة اليومية. اذ سرعان ما عادت السيطرات، التي رفعت قبل فترة، الى اماكنها ذاتها، وأصبحت المركبات ما ان تخرج من نفق ازدحام على واحد من تلك السيطرات حتى يعترضها نفق آخر اشد واقسى. طبعا دون الاستفادة من الدروس الماضية التي تقول ان حفظ الأمن ليس بكثرة السيطرات انما يقع الحل في مكان آخر.
على الصعيد السايكولوجي تحوّل المعاناة الفرد في الشارع الى كاره للسيطرات، والجيش، والشرطة، وكل ما يمت الى هذا القطاع، معتقدا ان سبب معاناته اليومية هو ادارة سيئة للمرور، تنم في جوانب منها عن عدم المسؤولية. فمن غير المعقول، حتى في اشد الخطط غرابة ان يتم وضع سيطرة في بداية جسر، ثم سيطرة في نهاية جسر، فمن اين ينزل الارهابيون، والخارجون على القانون يا ترى في المسافة الفاصلة بين سيطرتين، وعلى الجسر ذاته؟ تلك مفارقات يعيشها الفرد يوميا خاصة في بغداد العاصمة، وقد ضرب الانغلاق الذي تشهده الشوارع كل منطق وخيال. تغلق الساحات الرئيسية، والشوارع، كلما خرج مسؤول رفيع الى زيارة ميدانية. وتغلق الشوارع كلما حدث انفجار في مكان ما، وتغلق الشوارع في التنظيفات، والترميمات، والمناسبات الكثيرة، وكأن غلق الشارع هو الحل الأبسط لدى رجال الأمن والشرطة والمرور، وليس التفكير في حلول اخرى تحفظ مصلحة المواطن، وتبعد شبح الأزمات عن المكان. صار الموظف الذي يرتبط بدوام يومي يتخيل كوابيس فظيعة كلما نهض صباحا ليذهب الى عمله، او فكر بالمعاناة الهائلة التي تنتظره حين يعود الى بيته. وكلما عاش الاختناقات المزمنة في الشوارع جميعا اصبح يفكر الف مرة قبل الخروج الى متنزه ما، او منطقة تسوق او ترفيه، مما يحكم عليه بالبقاء في بيته محبوسا حتى اليوم الثاني. المشكلة ان اختناقات المرور تجعل الحياة قلقة، قاسية، تفتقد للسلاسة، مما يجعلها تتحول قليلا قليلا الى نوع من الغيظ على كل شيء. على الحكومة، على البشر، على المستقبل المظلم الذي يلهج به الجميع. في كل مدن العالم تشي سلاسة المرور في الشوارع بسلاسة الحياة الاجتماعية، والفكرية، والثقافية، والاقتصادية، والأمنية، والفنية، وهذا ما نجده معاكسا في حالة العراق. فالشارع يعطي الانطباع بتعاسة الحياة اليومية التي يعيشها المواطنون، والانغلاق الذي تعيشه الشوارع في الحقيقة يماثله انغلاق آخر في سلاسة العمل بالدوائر الرسمية، وفي مجريات السياسة، والمشاريع الاقتصادية، والخطط الأمنية، وتطبيق القوانين، والنتيجة واحدة، اي عدم وجود حلول سريعة، وجادة، ومدروسة، للمعضلات التي تلوث ايامنا وتجعلنا نعيش لأننا محكومون بالعيش لا اكثر ولا اقل. لذلك، نادرا ما نجد مواطنا تصح له فرصة للخروج من العراق الا واستغلها، دون اي أسف. وهنا تكمن المأساة، شعب لا يحب العيش في الوطن، ووطن مريض ليس هناك من يسارع الى علاجه.
كلمات عارية :الشعب الذي يكره الوطن
نشر في: 9 مارس, 2012: 09:57 م