علي حسين ديفيد كاميرون رئيس وزراء بريطانيا ، يقف وسط البرلمان ليقول انه يتحمل المسؤولية كاملة عن حادث مقتل ستة جنود بريطانيين، معتبر الامر يوما حزينا للبلاد. لو سألت أي مواطن عراقي عما قاله كاميرون فإنه اما أن يموت من الضحك او " يفطس" كمدا ، ولو سألت مسؤولا عراقيا عن رأيه لسارع على الفور باتهام كاميرون بالجنون او السذاجة فما علاقة المسؤول بمقتل الناس ، انها اقدار مرسومة ولا مفر منها.
هل هناك مسؤول حكومي يتحمل المسؤولية ؟ ولماذا يتحمل في بلاد تعددت وتنوعت فيها طرق القتل والموت والسرقة والانتهازية والتزوير وأيضا الكذب الذي أصبح ماركة مسجلة لبيانات الحكومة ، حيث يجد المواطن نفسه أمام طريقة لطيفة في الخداع والتضليل ، فبعد كل كارثة يتعرض لها العراقيون في وضح النهار تحت سمع وبصر الحكومة يخرج علينا احد الناطقين مبتسما مع سيل من المفردات المقحمة عنوة في الكلام وقليل جدا من المعرفة واقل القليل من احترام المشاعر . بهذه الخلطة هبطت علينا وزارة الداخلية يوم امس لتعلق على حوادث قتل الشباب من قبل جهات متطرفة ومطاردتهم في الجامعات والمدارس من قبل لجان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي شكلتها الوزارة مؤخرا وجملتها باسم "الشرطة المجتمعية" . وبدلا من ان تخبرنا الداخلية عن الجهات التي تقتل هؤلاء الشباب وتتوعد بالاقتصاص من الجناة ، وتطمئن العوائل العراقية التي باتت تخشى على ابنائها ، وبدلا من ان تخبرنا عن حكاية قوائم القتل التي تعلق كل يوم في عدد من احياء بغداد ، بدلا هذا كله عادت الوزارة لتمارس معنا في مثل هذه الاوقات هوايتها المفضلة في "لفلفة" الأمور عبر طرق ووسائل متنوعة صار المواطن العادي يحفظها، ففي بيان كوميدي لا يختلف مضمونه عن مسرحية عادل امام الشهيرة " شاهد ماشافش حاجة " قالت الوزارة "لدى التدقيق والتحري الجنائي، فقد تأكد أنه لم تسجل أية حالة قتل بل إن القضية ضخمت وأخذت أكثر من مداها الطبيعي " ولم ينس القائمون على الداخلية تحذير "كل من يحاول استغلال وتوظيف الموضوع بتوظيفات سلبية لإيقاع الضرر على المجتمع العراقي وستتخذ الإجراءات القانونية المناسبة بحق كل من يحاول الترويج لهذه الحالة وإخراجها خارج إطارها." بيان وزارة الداخلية يضعنا امام ثلاثة احتمالات ، فإما أن الناس تكذب، او ان الشباب يريدون ان يثيروا عطف الحكومة، او ان وزارة الداخلية تكذب، وشخصيا أرجح أن يكون الاحتمال الأخير هو الحقيقة لأسباب كثيرة ابرزها ان السادة القائمين على شؤون الوزارة لا يهمهم رضا المواطن، بقدر ما يتمنون رضا الحاكم، الذي يعينهم ويملك ان يضعهم خارج اسوار الوظيفة، ولهذا وجدنا الداخلية تُسخّر الالاف من قواتها لمحاصرة تظاهرة شبابية ، فيما هي عاجزة عن مواجهة جرائم وتجاوزات ضد مواطنين ابرياء. لا يمر يوم الا ونسمع عن مقتل مواطن ، وفي كل جريمة نسمع ان الداخلية تجري تحقيقات ، ولم نسمع شيئا عن نتائج تلك التحقيقات ، في كل يوم تنتهك حريات الناس ، في كل يوم يتأكد لنا اننا نعيش في غابة لا يحكمها الا قانون الاقوياء . وبناء عليه ندعو الله أن تكون وزارة الداخلية صادقة في بيانها ، وأن تثبت التحقيقات أنه لم يقتل أي شاب وان شرطة النهي عن المنكر كانت تطارد لصوص المال العام والمزورين ولا علاقة لها بأزياء الطلبة والطالبات. وأن الذين نشرت صورهم من الضحايا ماتوا بسبب حوادث المرور، وسبحان الذي لايموت ، نتمنى ذلك ونرجوه من الله حرصا على صورة الوزير بالوكالة " دوما وأبدا " عدنان الاسدي. السادة في وزارة الداخلية لقد سقطت وزارتكم في اللحظة التي تغاضيتم فيها عن مقتل وتعذيب ومطاردة شباب ذنبهم الوحيد انهم يحبون الحياة. اشاوس الداخلية ستظل الاتهامات تطاردكم ، وتلاحقكم أينما ذهبتم، وستظل الناس لا تصدقكم، إلى أن تجيبوا عن الأسئلة التي لا تريدون الاقتراب منها.
العمود الثامن : الداخلية "شاهد ماشافش حاجة"
نشر في: 9 مارس, 2012: 11:06 م