سعاد الجزائري (السلطة اقوى واخطر انواع الخمور) عبارة سمعتها اثناء اجراء لقاء تلفزيوني مع الزميل الاعلامي المعروف عارف الساعدي، وبقيت العبارة في ذهني، تدور ثم تختفي، وحينما اسمع أوالتقي بمتسلط اومسؤول في الحكومة او في تلك الدوائر التي تضع معاملاتنا في غياهب الادراج، تعود العبارة الى مقدمة ذاكرتي وتبقى لايام ترن في اذني وتحفر عميقا في روحي الموجوعة بآلام تلك السلطة.
تلك العبارة لا اعرف ان كانت للزميل الساعدي او قالها نقلا عن نص قرأه في مكان ما، وللامانة الصحفية اشرت للزميل في مقدمة ما سأكتبه.سلطة وكرسي وخمر، ثلاثية لا تشبه مطلقا ثلاثية نجيب محفوظ الرائعة والبناءة، لانها نقيض كل ما هو متعلق بالحياة وديمومتها وتطورها نحو احسن نأمله، فهذه الثلاثية الممتدة بين السلطة والكرسي مرورا بالخمور، اعتمدت منهج ان تكون ممارسة السلطة من اجل مالكها المتخم، وليس من اجل الجموع الجائعة.أن سكرة الخمور العادية تزول بعد ساعات اوربما اكثر، ونتائجها على شاربها فقط، لكن تأثير المعنى الخطير في كون السلطة اقوى واخطر انواع الكحول، يكمن في ان سكرة هذه الخمرة المعتقة لا تنتهي، وتدوم طويلا، بل وأن تأثيرها ليس على شاربها، وانما على كل من يجلس على الكراسي المجاورة لشارب الخمرة في كأس السلطة ،او شارب السلطة في كأس الخمرة، والمفيد - المضر بهذا الامر ان نتائج هذه السكرة تعود بالضرر على الجالسين تحت قاعدة الكرسي من ابناء الشعب المسكين، وبالفائدة على المتربع على كرسيها وعلى كل من له علاقة به.لماذا كتبت هذا؟ لأني وبكل بساطة، وقبل سنوات ليست ببعيدة كنت مع المعارضة العراقية لنظام صدام حسين، واليوم انا معارضة لتلك المعارضة التي صارت الان على كراسي السلطة وتحت تأثيرسكرتها الخطيرة، فقد تيقنت ان هذا الكرسي بتأثيره الخبيث، يغيّب كل من يجلس عليه في عالم الفردانية والمصلحية، ويفصله عن هموم كان يعاني منها سابقا، وصار اليوم مسببا لها حينما عب من كحول السلطة. كان مدافعا عن الناس وقضاياهم ويقف معهم بطابور الوصول الى الوطن لتحقيق أمانٍ واحلام حملوها لسنوات اغتراب طويل، واليوم يجلس على كرسيه وخلف بابه الموصد طابور طويل من المحتاجين والمعوزين والعاطلين عن العمل، يتفرج بتلذذ على امتداد الطابور الذي يعكس حجم سلطته السكرانة.تغيرت ملامح الكثير من هؤلاء الذين كانوا اصدقاء ورفاق درب في نضال راح ضحيته شباب غابوا في دهاليزالسجون والقهر، واصبحت ملامحهم اليوم تشبه بشكل ما ملامح جلادهم الذي اسقطوه وجلسوا على كرسي يشبه كرسيه، ان لم يكن قد جلس البعض منهم على نفس كرسي جلاده، تشبها بذلك الذي وجدوه في حفرة بعدما غيب آلاف الارواح في حفر وجدت على شكل مقابرجماعية.سكروا بخمرة السلطة ونسونا، وبات الكثير منهم يشكلون جزءا كبيرا من طاعون الفساد الذي عجزت كل عقاقير الشرف والنضال، والتذكير بالماضي القريب عن معالجته. بنوا قصورا بعدما سكنوا ايام النضال في غرف مشتركة مع اصدقائهم، نهبوا لقمة الاخرين بينما اقتسموا سابقا لقمتهم وعيشهم مع الجائعين، باعوا ضميرهم واشتروا بدله بدلات تعادل اضعاف راتب خريج جامعة يحلم ان يتزوج حبيبته التي في النهاية لم يرض اهلها الانتظار طويلا فزوجوها الى احد الجالسين على تلك الكراسي، رغم ان عمره يضاعف عمرها.تحولت شعاراتهم السابقة الى اموال في البنوك، فكبرت حساباتهم وصغرت اسماؤهم، ومثلما نورت افكارهم ومعتقداتهم عقول الشباب سابقا، سلبت اليوم احلام تلك الشريحة في حياة كانوا يريدونها في وطن ارادوه حرا وسعيدا.
خـمـر الـسـلـطـة

نشر في: 11 مارس, 2012: 10:36 م