TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > أحاديث شفوية :شوف الزهور..وتعلم

أحاديث شفوية :شوف الزهور..وتعلم

نشر في: 11 مارس, 2012: 10:56 م

 احمد المهنابغداد تشبه لندن من حيث عمارتها الأفقية. ولهذا الطراز المعماري فضيلة مهمة، وهي تمتين الصلة بالأرض، وتعزيز العلاقة بالمزروعات. فالبيوت خلافا للشقق فيها حدائق. ما يعني التواصل مع الأرض، واكتساب معرفة بالنباتات، والحصول منها على متعة أصيلة، بالإضافة الى ما يترتب على وجود الحديقة المنزلية من تربية وتطوير للذائقة.
والإنجليز رغم انهم أصحاب الثورة الصناعية الأولى، فقد حافظوا على صلاتهم بالأرض، وعززوها بتقليد الحديقة المنزلية، وأيضا بالحدائق العامة. ولهم مع هذه الأخيرة نوع عرفوا أو اختصوا به، حيث يوجد في كل حي كبير من أحياء لندن، متنزه هائل المساحة، كثير التنوع في مزروعاته وفي ألعابه ومنتفعاته. وكانت تلك المتنزهات في الأصل تابعة لقصور الأمراء والإقطاع، ثم تحولت الى أملاك للدولة، ومتنزهات للشعب.وليس لدى بغداد سوى متنزه وحيد من هذا الحجم هو الزوراء. ولذلك يتزاحم طابور السيارات الطويل، ايام العطل، في الطريق المؤدية اليه، حتى صار دخوله يستغرق انتظار الساعة والساعتين.أما تقليد الحدائق المنزلية في بغداد فآخذ بالتراجع، لأن بيوت ال 600 وال 400 متر مربع تتقلص مساحاتها الى 200 متر مربع، بل وربع الـ 200، نظرا لتقسيمها بين الوارثين، أو لتسهيل بيعها، لأن سوق البيوت الصغيرة أكثر رواجا، مع حال يتعذر فيها على الجيل الجديد استئجار لا شراء بيوت أصلا.وكل ذلك يعني تراجع الصلة بالأرض، وببدائع النبات. وكنت قبل ايام في مجلس فاتحة بحي الحبيبية في مدينة الصدر. وكانت القبائل تأتي حاملة بيارغها، ومؤدية عراضاتها. ورغم هذا الجو الثقافي الريفي، فإن الدربونة التي نصبت فيها سرادق الفاتحة، والبيوت المصطفة على الجانبين، خالية من كل زرع. وأنها لمفارقة كاملة ان يحافظ القوم كل هذه المحافظة على تقاليدهم البدوية والريفية، من دون وجود أثر يذكر بقاعدتها الرملية أو الزراعية. هوسة وراية وطلقة وعراضة من دون شجرة ولا رملة! لقد جرت المدنية أغلبية ساحقة من البشر الى قطيعة مع الأرض. والبشر يشارك النبات والحيوان في التغذي من الأرض. ولكن خلافا لبقية المخلوقات " ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان". وقد مرت عصور طويلة والبشر يحيون في قلب الأرض ويعيشون بين مزروعاتها وغاباتها. والقطيعة الحديثة معها تبعث في الانسان، من حيث يدري او لا يدري، احساسا عميقا بالإغتراب. ذلك ان أجسادنا قريبة أكثر مما نتصور الى الأرض. والأجساد تحزن كالأرواح اذا أبعدت عن الأشياء المقربة اليها.وأنا واحد من الناس الذين خسروا القرابة مع الأرض. وعندما حاولت في الكبر تعويضها بالتعرف على اسماء ورود وأشجار، وجدت ان الوقت فات علي. فثمة نواقص في الطفولة لا يمكن سدها في الكهولة. وأعتقد أن شوفة الزهور والتعلم منها، كما تدعو أغنية لعبد الوهاب، ضرورية في مرحلة الطفولة. فهي مكسب يبقى الى آخر العمر. إن بدائع الأرض ينابيع دائمة للدهشة والمتعة والحلم. وهذه الأشياء تثري الرصيد الروحي. فقل لي اسم كم نبتة، عدا النخلة، تعرف أقول لك كم رصيدك في بنك الروح. وداعيكم مفلس من هذه الناحية، ولكني شاعر بهذا الإفلاس، ومجروح ومتألم منه. ولعل أسوأ ما أعزي به نفسي هو أن أهمس لها " بقت على هاي"!

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

العراق يعطل الدوام الأحد المقبل

إعادة 20 مليار دينار إلى الشركة العامة للخطوط الجوية العراقية

بعد سنوات عجاف… هور الشويجة يعود إلى الحياة من جديد

البرلمان يناقش نظام المحاولات وتدرج ذوي المهن الطبية في جدول أعمال جلسته غدًا

إيران تتعهد بتعزيز الشفافية النووية وترفض التفاوض تحت التهديد

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram