TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > عالم آخر :ماذا سيكتب العرب عن بغداد؟

عالم آخر :ماذا سيكتب العرب عن بغداد؟

نشر في: 11 مارس, 2012: 10:58 م

 سرمد الطائي  ربما سيكتب الصحفيون العرب أغرب قصصهم على الإطلاق، لو أتيح لهم المجيء إلى بغداد لتغطية قمتها. ولكن ماذا سيكتبون حقا وماذا سيثيرهم فينا؟ حواضر العراق الكبرى في عقل وروح أهل الشرق الأوسط، تمثل خزينا لذاكرة العصر الذهبي من حضارة المنطقة. تحت ترابنا يرقد معظم الكبار الذين أنتجوا الفكر العربي الإسلامي والفنون والعلوم والنظم التي رافقته.
ورغم كل ما جرى من سفاهة وتخريب على أرضنا هذه، فإن متصوفا هنديا يزور بغداد بانتظام، يقوم بخلع نعليه كلما وطأ ارض هذه المدينة. وهو يقول مفسرا ذلك للعراقيين، ان تحت شوارعها ومساكنها ومرافقها، يرقد آلاف العارفين والفقهاء والمفكرين والمبدعين من مختلف العصور، ويندر ان حظيت مدينة بكل هذا، كما يروي لنا عن هذا الهندي، احد سدنة المراقد المعروفة في البلاد.ولكن ماذا سيرى العرب حين يزورون العاصمة في قمتها نهاية شهرنا الحالي والى أيّ حدٍّ ستصمد الصورة التاريخية في عقولهم وأرواحهم عن المدينة؟ والى أيّ حدٍ سيتفهمون عجزنا وإخفاقنا وكسلنا وعدم قدرتنا على تنظيم ولو شارع واحد في مركز المدينة صالح للمشاهدة؟إذا بذلت الحكومة أو أعوانها (ومتملقوها من العاملين في الصحافة)، المال والجهد الكافي، فقد تنجح في استضافة بضعة مئات من الصحفيين تتفاوت ألوانهم ومستوياتهم، لكن كيف سيرى هؤلاء بغداد وماذا سيكتبون عنها أثناء القمة وبعدها؟مناخيا فإن من حسن حظ بغداد إنها ستضيّف الناس في جوٍّ لا هو حار ولا هو بارد. ولن يعكر صفو مطلع الربيع سوى عواصف الغبار التي تقصفنا بشكل يومي وتحيط المدينة بهالة صحراوية تبعث على الأسى. ولساخر أن يمتدح الغبار المتطاير لأنه قد لا يخلو من فائدة خاصة إذا صحبته رياح شديدة فلعل ذلك ينجح في إخفاء بعض عيوب بغداد المسكينة عن أعين الناظرين. وعلى ذكر إخفاء العيوب فإنني أتمنى على منظمي القمة أن يختاروا توقيتا ذكيا لجولات الصحفيين لو أتيحت لهم جولات حقا، وفي وسع الحكومة أن تأخذهم في تجوال ليلي فالحلكة تخفي عيوب المدينة، وقديما أطلق العرب على الليل اسم "الغلس" لأنه يغلس الأشياء ويخفيها، وكان عنترة العبسي يدعى "أبو المغلس" لأنه يتخذ من الليل سترا في تحركاته الحربية.وماذا سيرى العرب سوى هذا؟ فإذا صحّ الخبر عن حظر التجوال ايام انعقاد القمة، فسيخرج الصحفيون إلى شوارع بلا شعب ولا حركة. أما إذا لم يكن هناك حظر للتجوال فلا أتخيل كيف ستتحرك "ارتال" الصحفيين المحميين بأرتال حكومية، داخل شوارع العاصمة التي ستدخل واحدا من إنذاراتها الاستثنائية. كيف سيصف الصحفيون تجربتهم هذه وسط أجواء "قمة اضطرارية"؟سيشاهد العرب شعبا عالقا داخل 20 ألف نقطة تفتيش تدقق المواطنين 5 مرات كل يوم بجهاز مثير للريبة. وسيشاهدون ملايين الكتل الخرسانية التي تقطّع أوصال المدينة، وقد يسعفهم الوقت لمشاهدة طوابير من النساء تصطف أمام صهاريج النفط لملء "صوباتهم" في عاصمة النفط. سيشاهدون عاصمة بلا كهرباء، في بلد ميزانيته تعادل موازنات 4 دول متوسطة الحجم في الشرق الأوسط. ولن يفوتهم مشهد ملايين مولدات الكهرباء من كل الأحجام، وملايين الأسلاك الكهربائية الممدودة وهي تقوم بتسقيف الشوارع وتلتف حول أعناق أجمل مبانينا الأثرية في شارع الرشيد والسعدون. سيرى الصحفيون ساسة عراقيين ينسون كل الفشل والانهيارات ويتناقشون بشأن مشروعية استهداف الايمو، وحرق جوامع السيد الصرخي، ونائب الرئيس ذي المستقبل الغامض. وسيتفاجأون بأن لكل سياسي عراقي عشر سيارات عسكرية تحميه وتصرخ زاعقة بوجه المارة والسيارات المدنية، وان لدينا 5 آلاف حزب تبحث عن الغنائم وتفشل في تفسير الفشل المستمر.سيتفاجأ العرب أيضا بأن العراقي يحاول التشبث بأمل ما، رغم أن الأمل يولد بطريقة مشوهة كل يوم. وأن العراقي لم يعرف بعد من الذي يقتله كل يوم، لكن العراقي هذا يكره صدام حسين ويكره كل سياسي يشتهي أن يقلد صدام حسين.. وأن شباب هذا البلد متمسكون بأن يحصلوا على حياة حرة تشبه حياة أقرانهم في الدول التي رضي الله عنها ورضيت عنه، رغم أن المتشددين يحيطون الحياة بألف قيد. هناك سلسلة مفاجآت تنتظر الصحفيين العرب لو وصلوا إلى بغداد وأُتيح لهم رؤيتها ليلا أو نهارا!

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

العراق يعطل الدوام الأحد المقبل

إعادة 20 مليار دينار إلى الشركة العامة للخطوط الجوية العراقية

بعد سنوات عجاف… هور الشويجة يعود إلى الحياة من جديد

البرلمان يناقش نظام المحاولات وتدرج ذوي المهن الطبية في جدول أعمال جلسته غدًا

إيران تتعهد بتعزيز الشفافية النووية وترفض التفاوض تحت التهديد

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram