علي حسين عندما أفاقت حكومتنا الرشيدة من نومتها على دويّ انتهاكات حقوق الإنسان في قضية شباب الإيمو، وقوائم القتل التي انتشرت في أحياء كثيرة من بغداد، لم نسمع حقائق ولم تقدم لنا مستمسكات البراءة، لكنها اكتفت بابتسامة من الناطق الرسمي علي الدباغ ألحقها بجملة من ثلاث كلمات "الأمر مجرد كذبة"، بالمقابل سمعنا رعدا ورأينا برقا غاضبا، وصيحات ترفض وتندّد وتستنكر المؤامرة التي يقودها الإعلام لتضليل الناس ومحاولة التأثير على المنجزات الكبيرة التي تحققت خلال السنوات القليلة الماضية،
وتابعنا على مدار أيام بيانات وتصريحات حكومية والبعض منها برلمانية تقسم بأغلظ الأيمان إن الأمر مجرد مؤامرة يقودها الحاسدون. في وسط هذه الهوجة من البيانات والتصريحات لفت نظري غياب الفريق قاسم عطا وهو الذي عودنا على ظهوره المستمر، بمناسبة ومن دون مناسبة، وتساءلت، لماذا لم يهلّ علينا ليخبرنا عن الحقيقة، ولم يطل صبري، حيث ظهر لنا فريق آخر يرتدي بدلة الناطق السابق مقدما نفسه في طبعة جديدة ومنقحة باعتباره "الباحث عن الحقيقة" المقاوم لأصحاب الأجندات الخارجية، متحدثا عن مؤامرة تتخذ من "الايمو" شعارا، مطلقا صيحة مدوية: "لن نخضع لابتزاز وسائل الإعلام ".صاحب الصولة الجديدة الفريق الركن حسن البيضاني رئيس أركان قيادة عمليات روى لنا الحكاية التي ظلت غامضة طوال هذه المدة، فالشباب الذين تحاول وسائل الإعلام استغلال قضيتهم اتضح أنهم جزء من تنظيم القاعدة وتبيّن أن "هناك معلومات استخبارية مؤكدة تفيد بسعي تنظيم القاعدة لبث شائعات لإرباك الوضع الأمني في بغداد قبل موعد انعقاد القمة العربية"، مؤكدا أن القاعدة تحاول بث تلك الإشاعات عن طريق بعض وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة. هكذا وببساطة اكتشف الفريق السر الغامض وراء قضية الإيمو، وهو سرّ لا يدل فقط على السذاجة المتناهية، عند البعض من مسؤولينا ولكنه يكشف عن تعميم فكرة اضطهاد الإعلام التي تعيش عليها الحكومة منذ سنوات، ففي كل خرق للقانون يخرج علينا مصدر حكومي ليقول إن الإعلام يريد تشويه الحقائق، وفي كل مرة تتورط فيها الحكومة بكوارث، لا يجد المقربون منها والدائرون في فلكها سوى أن يخرجوا من قمقمهم حكاية الاضطهاد والاسطوانة المشروخة من أن الإعلام هاجمني لأنني امثل الحكومة. ويبدو أن العودة إلى حكاية اضطهاد الإعلام للحكومة هي الأسلوب الوحيد لمواجهة الخروقات التي ترتكب بحق الديمقراطية والحريات المدنية إذا صدقنا -فرضا- كلام الفريق البيضاني من إن استخباراته اكتشفت مخطط القاعدة لتضليل الرأي العام، وإذا صدقنا –أيضا- أن الأمر مجرد كذبة اخترعها الإعلام، وإذا افترضنا أن الحكومة لم تسجل في دفاترها اي جناية قتل،، إذا صدقنا كل ذلك، فمن البديهي أن نسال إذا كانت عمليات بغداد تملك كل هذه الأجهزة الاستخبارية والمعلومات عن تحركات القاعدة وخططها للتشويش على القمة العربية، لماذا إذن لم تستطع هذه الأجهزة نفسها من اكتشاف السيارات المفخخة التي تطارد الناس في الشوارع كل يوم. تصريحات قائد عمليات بغداد تثبت بالدليل القاطع إننا نعيش حاليا كوميديا سياسية بلهاء تقوم على محاولة اختراع ضحية تتعرض لمؤامرات العالم كله بغربه وشرقه بشماله وجنوبه وهذا كلام مضحك أقرب إلى الهلوسة السياسية، الهدف منه إخفاء الحقيقة بأي شكل من الأشكال، لتبتلعنا أمواج البحث عن مبررات للحوادث التي تتخطى حدود الكارثة، ليجد الناس أنفسهم كل يوم يضبطون ساعاتهم على توقيت عمليات بغداد وهي تؤكد بالأدلة الدامغة، بأن العراقيين شعب ناكر للجميل لانه يصدق اكاذيب الاعلام.
العمود الثامن:اضبطوا ساعاتكم على توقيت عمليات بغداد

نشر في: 11 مارس, 2012: 11:03 م