TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > وقفة: أرامل بالإيجار

وقفة: أرامل بالإيجار

نشر في: 12 مارس, 2012: 09:48 م

 عالية طالبارتسمت على وجهها ابتسامة ساخرة وهي تحدثني بصوت يشبه مشروع البكاء عن السيدة التي تفترش رصيف جامعة بغداد وتسأل الجميع مساعدتها لسببين هما " أربي أيتام وأسكن بالإيجار " !! منبع سخرية محدثتي لخصته بأنها حين تسمع كلام سيدة الرصيف تفكر باصطحاب اغلب زميلاتها من تدريسيات القسم الذي تعمل معيدة فيه ،
ليتشاركن ذات الرصيف فهن بمجملهن يعشن ذات الحالة، وتخيلت منظرهن وهن يتوزعن أمام الجامعة وكل واحدة تعيد تكرار ذات العبارة وقد تضيف لها توصيفات أكثر استنادا إلى وقائع حياة تختلف بتفاصيلها الصعبة بين شخص وأخر ، وحين سألتها هل أغلبكن أرامل ؟ سحبت آهة حزينة وحدثتني بإيجاز عن حالات تؤشر الخلل الاجتماعي والاقتصادي الذي تعاني منه اغلب نساء العراق . إحداهن انفصلت عن زوجها لتصطحب ابنها إلى بيت أهلها المكتظ بعدده والمنزعج من زيادة لم تكن بحسبانه مما يجعلها تغفو يوميا بعين دامعة وهي تحاول محاربة شعورها بأنها شخص غير مرغوب فيه وسط أهلها ولا تجد رغم كل إعادة حساباتها التي تجريها يوميا ، فائضا ماديا يمكنها من الاستقلال مع طفلها ببيت مستأجر !!أخرى تتعرض لإهانات واضطهاد لا ينتهي بعد أن ترملت وتيتم معها ثلاثة أولاد تتنقل معهم ما بين بيت أهلها وبيت زوجها ولا تعرف كيف ترضي العائلتين الذين يسمعونها اقسى الكلمات كلما مارس أولادها أية حركة بريئة !!وأخرى "ماجستير هندسة" تصر والدة زوجها على أن تجعلها تخبز وتعد الطعام وتنظف البيت قبل مغادرتها لعملها وتكرر كل ما نفذته صباحا مجددا حين عودتها وإلا فإن شتائم عديدة تنتظرها هي وزوجها !!ما بين الترمل والطلاق تعيش المرأة العراقية وضعا لا تحسد عليه، وحين تقارن مدخولها الشهري بشهادتها العلمية التي أرهقتها للحصول عليها تجد أن مدخولها يقل كثيرا عن مداخيل النساء اللواتي افترشن الرصيف وهن يتحصلن ربما على ثلاثة أضعاف من تقضي كل نهارها في تدريس ومتابعة أعمال لا تنتهي تضطرها لتنفيذ اغلبها في بيتها لتؤدي رسالتها لأجيال العراق وشبابه !!كيف نؤمن للمرأة وضعا اقتصاديا نجعلها تحفظ به كرامتها من الهدر وكيانها من التشتت وحاضرها من الاكتئاب ومستقبلها من المجهول ؟ كيف نرعى أطفالا يعيشون في ظروف اجتماعية سيئة بغياب الأب سواء بالطلاق أو بالترمل، كيف نجعلهم أفرادا منتجين ومؤهلين لخدمة مستقبل الوطن إن كان حاضرهم يعاني من ضغوط ومعيشة تصخب بالمشاحنات والمشاكل والشتائم والرفض من الآخرين ؟وإن عدنا لمسؤولية الدولة في تأمين حاضر ومستقبل المواطن فإننا سنصاب بالخيبة من محدودية مشاريع الإسكان بالأقساط المعقولة للموظفين وبكفالة المصارف والوظيفة الحكومية وكما تفعل اغلب الدول المتحضرة التي يهمها مواطنوها وتؤمن لهم مستويات جيدة سواء بالسكن أو بالأجهزة المنزلية أو بدور الحضانة أو بالأسواق المدعومة بالتسهيلات من قبلها !! كل هذا غائب عن تفكير دولتنا وعلى المواطن أن يبقى غافيا بدمعته الحائرة وهو ينتظر الغد الذي يستقبل فيه مختلف أنواع الانتهاكات النفسية والمعنوية دون أن يعرف أين الخلاص وخاصة لنساء تعرضن طوال حياتهن لاستلابات واضطهاد وصعوبات جعلتهن يفكرن بافتراش الأرصفة ! ترى لو فعلنها بماذا ستبرر الدولة فعلتهن وقتها؟.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram