ليلى قصرانييُعتبر أدب الحرب صنفاً مهماً بكل أشكاله نظراً لتعامله النفسي المباشر مع الحرب وتداعياتها كونها حدثا مرتبطا بالموت الذي يهيمن دائما على الثيمات التي يتناولها الأدب ، تحديدا الرواية فالموت دائما حاضر في الرواية الى جانب مواضيع أخرى مهمة كالحب.
فمن "الحرب والسلام" إلى "لمن تقرع الأجراس" و " وداعاً للسلاح " هناك قائمة طويلة بما كـُـتب وما يزال يُكتب عن الحروب والمعارك. بعض الروائيين لم يكتفوا بالحروب على كوكبنا فوصل بهم الأمر إلى تخيل معارك خيالية كما حصل في روايات كثيرة منها رواية "سيد الخواتم" للكاتب جي آر تولكين على سبيل المثال لا الحصر.قليلة هي الروايات التي كـُـتبت عن الحرب العراقية ـ الإيرانية وعن حرب الخليج 1991 فما أن توقف إطلاق النار مع ايران وتهيأ العراقي لخلع البزة العسكرية حتى وجد نفسه أمام غزو الكويت الذي أعقبته مباشرةً حرب الخليج الثانية وما خلفته من سنوات حصار وهجرات . هكذا فجائع ساهمت في تغيير حساسية المثقف العراقي للكثير من الأمور، بل غير الحصار البعد المكاني للكاتب فقد تنقل من مكان إلى آخر بعد مروره بظروف معيشية قاسية ما جعل الكتابة أمراً ثانوياً في حياته أمام شروط البقاء ليوم آخر. بعد الغزو الأمريكي للعراق في 2003 الذي فاقت مآسيه الحربين السابقتين، وجد الكاتب نفسه أمام معارك مباشرة وتجارب شخصية دون أن يتسلمها منقولة من طرف آخر كما حدث في الحربين السابقتين. أيضا نرى شحة في الروايات المكتوبة بالعربية والإنجليزية التي تناولت الغزو الأمريكي للعراق ولعل سبب هذا يعود الى أن تفاصيل الحرب هذه لا يمكن ترجمتها إلى نص سردي بعمق إنساني إلا بعد مرور بعض الوقت. فالعراقي (والعربي عموما) ما زال تحت وقع صدمة الغزو وما أن يتم تجاوزها سيبدأ بوضع خبرته على الورق ليقدم لنا هذه الحرب بكل تأنٍ بعيداً عن كل التشنجات المتوقعة خصوصا حين يبدأ جيل جديد في توظيف هكذا غزو بدون الخوف من الرقابة أو التابوهات الأخرى التي تعامل معها الكتاب أيام النظام السابق. الكتابة عن الحرب (بينما المعارك ما تزال قائمة) تعطي انطباعاً ثورياً وعظياً واضحا ، الأمر الذي يفسد مناخ الرواية ويضعها بشكل أو بآخر خارج خندق الأدب. بينما الروائي الذي يكتب بعد انتهاء الحرب بفترة زمنية معينة يتعامل مع مخلفات الحرب على أنها ذكريات صالحة للكتابة وأن كل ما يتبقى منها هو مادة خام مطبوعة سيوظفها بعد زمن معين في منتج سردي بعيداً عن مؤثرات الظروف الآنية، فالكاتب الذكي هو الذي يكتب عن الحدث بعمق آثاره خارج الشرط الآني بموضوعية متجاوزا الصدمات النفسية والانحياز لطرف ما واللغة الانفعالية التي يمكن أن تتسلل للنص المنتج في لحظة الحدث. أصدرت هيلين بينديكت في عام 2011 رواية "ملكة الغبار" Sand Queen التي تدور أحداثها عن مجندة أمريكية شابة من ولاية نيويورك تلتحق بالجيش الأمريكي لتنتهي في معسكر في العراق وهناك تواجه معركة اخرى مع عالم الرجال الفتاك. تتعرف البطلة على نعيمة جاسم، ابنة طبيب عراقي، والتي صارت نوعا من العزاء للبطلة في الصحراء كونها شاركتها بعض مشاكلها الخاصة. بشكل عام، هذه الرواية تقدم مأساة المرأة في بيئة الحرب بدون أن تتناول موضوعة الحرب بكل تفاصيلها المأساوية. كما أصدرت أنعام كجة جي ، صحفية وكاتبة عراقية مقيمة في باريس ، رواية الحرب بعنوان "الحفيدة الأمريكية" عام 2009 وهي رواية متعجلة في أحداثها بل سريعة في سردها وكأن الكاتبة قد أنجزتها في فترة قصيرة نسبيا. هذه الرواية بالذات كان من الممكن أن تكون من أجمل الروايات لو تأنت الكاتبة كجة جي في كتابتها وركزت على بعض الجماليات في الرواية التي ـ للأسف ـ مرت بها بعجالة . تضمنت "الحفيدة الأمريكية" الكثير من الأخطاء الفادحة التي كان من الممكن تجنبها وفيها الكثير من الفجوات والقفزات التي تترك القارئ في حيرة من أمره. من أشهر روايات الحرب التي يتذكرها القارئ اليوم هي تلك التي تمت كتابتها ونشرها بعد انتهاء الحرب بأعوام عديدة ، مثل رواية الكاتب الأمريكي جوزيف هيللير Catch -22 "خديعة -22". يسخر هيللير في هذه الرواية من فكرة التضحية بالنفس والموت من أجل الوطن. نشرت هذه الرواية سنة 1961 وتدور أحداثها في جزيرة ايطالية في البحر الأبيض المتوسط عن عسكري في الجيش الأمريكي يقاتل بمدفعية من طائرة مقاتلة أثناء الحرب العالمية الثانية . يوساريان، بطل الرواية يقول عن نفسه بأنه "آشوري الأصل" وكل همّه هو الإعفاء من الخدمة العسكرية بسبب مخاوفه من أن يُقتل فيدّعي الجنون لكنه في النهاية يهرب إلى ال
روايــة الحــرب.. ذكريـــات تصلــح للكتابـــة
نشر في: 13 مارس, 2012: 07:39 م