قيس قاسم العجرش النقد الموجه للأداء الحكومي فاض حتى صار معتاداً جداً لا يروي العطش إلى توصيف حالنا بدقة، احتار العراقيون بكل شيء اليوم تقريباً. بل إن قصة الاختلاف مع الحال المستدام صارت تخضع نفسها لتساؤل.
النقد والشتائم والصراخ والفضائح والنوائح والمطبات والعثرات كانت إلى قبل عام مضى لا تنفع شيئاً لكنها اليوم انقلبت كوسيلة وأصبحت بدلاً من الحث على التصحيح تنفع ضفة الحكومة!كيف ذلك؟.لكن لو حاولنا أن نقود النقد باتجاه آخر، لنفترض إنه يتوجه الى الناخب (صانع الكتل السياسية ومانح الحق بشرعية الحكومة).لنفترض أن هذا المواطن الناخب مازال عاجزاً لسبب ما عن توجيه رأيه بصورة تمكنه من تغيير المشهد الحال بيننا نحو الأفضل.ولنفترض إنه قرر أن يتخلى أخيراً عن هواه الذي جنى عليه سابقاً وجعله في مهب رياح الطائفية والتخندق المناطقي .هل سنكون فعلاً عندها في مواجهة مع قوى ترفض التغيير والتداول السلمي للسلطة؟هل نتوقع (ولنكن واقعيين في توقعاتنا)،أن ترحل هذا القوى التي شفطت الفرصة في التحول الديمقراطي واستخدمت الفساد والمال المسروق عبر آليات السلطة من أجل شراء مزيد من السلطة ، هل يمكن ذلك؟هل يمكن أن يتنازل هؤلاء عن حصصهم في مستقبلنا وقد كانت لهم حصة عظمى في حاضرنا وماضينا؟بل هل يمكن أن نكون بسذاجة مطلقة فنتوقع تراجعهم أمام رغبة شعبية في تغييرهم؟ هذا بعد هذه التجربة مع أفعوانيات السلطة وقدرتها الفائقة على التخادم والانتهازية لأي ظرف يمر بها وبنا.مثلا، انتفعت السلطة عملياً من شيوع اللهجة الطائفية فظهر لنا طائفيون يتقنونها ويتفننون بكلماتها، ثم انتفعت من القطيعة العربية واليوم تنتفع من القمة العربية ، انتفعت من التحشيد بالضد من سوريا المتهمة بدعم الإرهاب في العراق واليوم تتهم الإرهاب باستهداف سوريا ، انتفعت السلطة من دعاوى الفيدرالية واليوم تتهم الداعين لها بأنهم انفصاليون يسعون إلى تفتيت العراق.قد تبدو القدرة على التأقلم مع الكوارث على أنها إيجاب أو امتياز لكن هذا ليس كل ما في الأمر، فالقدرة على التأقلم والتعايش التي يتمتع بها الفرد العراقي في تعامله مع القسر والقوة المستبدة والتي يمتاز بها العراقيون، غالباً ما تكون مقدمة لعهد غير متوقع من الفوضى.هذا الذي لا نعرف إنه ينتظرنا أم ننتظره.لا نعرف إن كان العراقي الفرد هو الذي يقود السلطة أم إنها تحسن قراءة غرائزه فتضخ إليه مزيداً من مخدرات الانقياد.هذا الموقف التساؤلي مع السلطة هو الذي ينبغي أن يحاط بالأسئلة على ألا نغادرها حتى نعرف حلاً لها.
تحت الضغط العالي :معيار لقياس الحكومة

نشر في: 13 مارس, 2012: 10:25 م