وديع غزوان لا يحتاج العنوان إلى إضافات أخرى فيكفي ذكر اسم هذه المدينة لتشخص صور واحدة من أكثر المجازر وحشية كما وصفتها تقارير منظمات دولية زارت المنطقة واطلعت على آثار جريمة الإبادة الجماعية التي تعرضت لها والتي بقيت ملتصقة بالأرض لتحكي مآسي أمهات احتضنّ أطفالهنّ الرضّع عسى أن يبعدن عنهم رياح الموت القادمة.
في حلبجة أكثر من قصة وغصة ،ففي ليلة السادس عشر من آذار من عام 1988 خلدت عوائل حلبجة البسيطة إلى النوم في أمان الله ، بعضهم كان فرحاًً يقصّ على أطفاله قصصاً عن نوروز ،وآخرون عادوا من حفلة عرس انتزعوا فيها من قسوة الحياة أوقاتاً للسعادة فرقص فيها الشباب والشابات و العجائز كلاً يتأبط ذراع الآخر ، أسلموا عيونهم للنوم دون أن يعلموا أن وحوشاً بصور آدمية تستعد بخبث ودهاء لقتلهم من خلال رياح تحمل روائح التفاح . . قد لا يكون اختيار التفاح عفوياً ربما كدلالة على غواية إبليس لآدم وإخراجه بالتالي من الجنة ، وربما لأن الكرد ألفوا هذه الرائحة الزكية التي عادة ما تبعثها أشجار التفاح المنتشرة في الوديان بين جبال أبت أن تنحني . لا ندري رغم مرور كل هذه السنوات كيف يمكن أن نكتب عن هذه الجريمة أو نصف مشاعر رجل شعر متأخراً أن رياحاً باغتته جاءت تحصد روح أهله ، فركض على غير هدى عسى ولعل ، أو شاب ينظر إلى عروسه في ملابس زفافها تحتضر .. أي شيء يمكن أن يهدّئ روع طفل حاولت أمه أن تلفه بما لديها من خرق لتبعد عنه شبح الموت القادم فينجو من الجريمة بأعجوبة ويعود شاباً بعد عشرات السنين يبحث عما بقي له من أهل .. أي عقوبة يمكن أن تهدّئ الروح المفجوعة وتنسيها صوت صرخات الأبرياء وصورهم وهم يتساقطون بين الوديان ، لاشيء . . فقد سكتت الغالبية في ذلك الوقت وسوفت الجريمة لعشرات الأعوام واقتنع البعض بما كان يجر ي من مناقشات لطمس مسؤولية هذه الإبادة الجماعية التي تعرضت لها المدينة وشوهت الحقائق لكن إلى حين. فعذراً يا حلبجة لأرضك وسمائك وأهلك فقد كنت الأفضل بيننا عندما لم ترضخ فظل صوتك أكبر صرخة لدكّ كراسي الظالمين ، وكنت الشاهدة والشهيدة على ما اقترفته بعض دول العالم من ظلم بحقك فتجاوزت واستحققت أن تكوني الأولى بفخر بين مدن العالم .اليوم ونحن نستذكر تضحيات حلبجة وتقف وفود تمثّل محافظات العراق ودول العالم على نصب شهدائها لإحياء يومها، نعتقد أن أقل واجباتنا تجاه ما قدمته هذه المدينة أن نجعل من هذه المناسبة فرصة لتعريف العالم بصور ما تعرض له الكرد من مآس وتوسيع دائرة اعتراف دوله بأن ما تعرضت له حلبجة هو حرب إبادة جماعية ،كما أنها مناسبة لنتعلم منها جميعاً درساً فحواه أنّ مصير جبروت الظالمين إلى زوال حتماً .
كردستانيات: حلبجة عذراً
نشر في: 14 مارس, 2012: 08:39 م