خضير فليح الزيديإن المنظومات الثقافية تحتاج إلى فعل التحديث اليومي كما تحتاج باقي المنظومات الأخرى لأفعال الإزاحة والتجديد الفكري.. بل إن فعل إزاحة المتراكم غير الفاعل لهو واحد من شروط التواصل الثقافي اليومي مع عالم التجديد الثقافي الفوري..
مثلما تحتاج العلوم المعرفية المختلفة في الحياة العملية إلى متابعات ودراسات وبحوث مضنية واجتهاد، فالثقافة أيضا تحتاج الى المتابعة والدراسة ونقد المسلمات منها ذلك هو الاجتهاد فيها، فهي خاضعة لمبدأ التطور والتحديث اليومي واستبدال ما تحول منها إلى أفكار متحفية بمعنى لا تصلح لحركة العصر ومبدأ التطور، إلا إن الواقع الثقافي في العراق غير ما عليه في البلدان التي تضع الثقافة في مقدمة الأولويات المجتمعية او تلك التي تحترم الأفكار الجديدة او العصرية ذات الاتجاه النفعي الى الجماهير بشكل عام..ومثل الثقافة فإن مثقفها الشخص الخازن والمتعاطي أو الحامل للمحتوى الثقافي، يتطلب منه عدم الاستكانة والخنوع لآفة الكسل والقولبة ضمن الحاضنة الثقافية الثابتة، أجد ذلك واضحا وجليا في التثاقفات اليومية التي جُبل عليها المثقف العراقي في المناسبات الحشدية سواء في جمعة شارع المتنبي او في الملتقيات العامة والمناسبات الثقافية.. المثقف المتقولب يطرح المواضيع ذات المواضيع المتكررة التي يطرحها في كل مناسبة وكل يوم وهو لا يدرك تكرار الطروحات النظرية أمام نفس الأشخاص، بل إن حتى الأسلوب والصياغات لم تتغير مطلقا.. إضافة إلى ذلك قد يتوجب على حاضن الثقافة ومنتج محاورها الفاعلة إعادة النظر في الكثير من المرجعيات التي يؤمن بها منذ سبعينات القرن المنصرم مثلا ولغاية اليوم دون أن يكلف ذاكرته أو أدواته النقدية والثقافية لخلخلة اليقينيات منها وإدراك ما يتوجب الإيمان فيه.إن نظرية (الإيمان وسادة الكسل) هكذا اخبرنا الفيلسوف الفرنسي الكبير ميشيل فوكو، قد تنبّه إلى آفة كسل المثقف او تحوله الى مستهلك للثقافات السمعية، دون أن يكون فاحصا ومدققا للمحتويات والظواهر المجتمعية أو الثقافية ذات الصلة ويتقدم للتصدي بثقافة نقدية مبنية على أسس نظرية مقنعة. فالنظريات الثقافية هي بالمحصلة النهائية متغيرة أو قلْ متحولة الأفكار تحكمها أسباب التطور والمبادئ العامة للتطور.. لا تستند الى متعة الكسل والخمول التي نمر بها اليوم.. المثقف المجتهد هو المثقف الذي يمكن الاستماع الى ملاحظاته النقدية في الثقافة او في محاور الحياة العامة، وإلا سيتحول حتما المثقف الكسول الى اسطوانة مشروخة او برنامج إذاعي او تلفزيوني مكرور وممل.. بل تتحول الثقافة بمجملها إلى كتاب متروك في مكتبة مهملة.
التحديث اليومي
نشر في: 16 مارس, 2012: 06:55 م