احمد المهنا صديقنا مازن هاشم، وشهرته أبو الزهراء، في ورطة. ومعه في الورطة العشرات من الأدباء والفنانين والصحافيين. فهؤلاء جميعا، فضلا عن رجال أصناف أخرى من المهن، تلمهم "مقهى البغدادي"، لصاحبها أبي الزهراء، في منطقة ارخيتة – كرادة داخل.
وهذه "اللمة" تتشارك في الشعور بأهمية هذا المقهى. ومن جانبي كلما ضاق صدري يممت شطري صوبها، وأنست الى وجود أصدقاء ومشاريع أصدقاء هناك، فيتبدد الضيق، وينفتح الصدر، مع الكلام المتنوع حسب تجارب الأصدقاء وخبراتهم في مجالات ثقافية متعددة.وأمس فقط التقيت في "البغدادي" صديقا انقطعت عنه نحو عقدين، هو الفنان العائد من باريس طه رشيد، وبعد تبادل الأخبار دار بيننا نقاش مفيد حول اللهجة العراقية، ثم انتقل الى موضوع الشعر الشعبي العراقي، الذي لا أرى له أملا في الإرتقاء، اذا لم لم يتخذ قرار على أعلى المستويات، وفي كل المستويات، بتسريحه من الخدمة السياسية.وكان خلاف. لكنني أتفق مع طه كل الإتفاق، حين نظر يوما الى شابة حسناء، وتحسر قائلا: "ربي عقل هسة وحيل كبل"!و"جماعة الخارج" محظوظون بوجود المقهى. فما أن يأتي الواحد منهم من موطن الغربة، حتى يجد غربته في الوطن قد تبددت، مع لمة المقهى المعتادة من أصدقاء مباشرين أو بالتعارف التحريري، أو السماعي. و"العائد" منهم لأول مرة هو الأكثر حاجة اليها، ففي المقهى ترسم له خارطة طريق المهمات والمسرات. وقد يقع بعض الخلط او الإضطراب في الخرائط، لكثرة المتبرعين في الرسم، وتنوع اجتهاداتهم في الخطوط والألوان. فأنت هنا في بلد المجادلة، وعند أهلها وهم المثقفون! وحين رجعت من آخر سفرة لي الى الخارج، زرت المقهى صباحا، بينما موعد اللمة مساء، فحييت أبو الزهراء وسألته عن أخبار الأصدقاء، فقال ان الجميع سالم مسلح ولا توجد لدينا سوى إصابة واحدة!- الله يستر خير ابو الزهراء؟- بسيطة فقط رعد مشتت كسرت له قدم في حادث بسيط!الرجل يتمتع بروح دعابة، وحب لمهنته، ولرواده الذين يعرفهم واحدا واحدا، ويتتبع اخبارهم، ويأخذ على خاطره ممن تتكرر غياباته، وبالخصوص منها غير المسببة. ولكم يبدو عليه الزهو حين تمتلىء القنفات، فيخرج الكراسي من مخابئها ثم يزيد عليها الطلب. في مثل هذه الحالات يطيب نفسا، ويفيض حيوية، ويهمس بإذن هذا نكتة، وذاك أخرى.ولكن كل هذا العالم مهدد بالإنهيار. فبعد شهر سيهدم المالك بنايته التي يقع فيها "مقهى البغدادي"، ليقيم على أنقاضها شيئا جديدا. وهذا حق لصاحب الملك. ولكن ماذا يفعل أبو الزهراء صاحب الأطفال الثلاثة؟ واين "ينطي" المثقفون وجوههم؟على مبعدة أمتار من المقهى تقع دورة مياه مهملة، مهملة للغاية حتى لا نقول شيئا آخر، تابعة لأمانة العاصمة. وأبو الزهراء يحلم باستئجارها ونقل "البغدادي" اليها. وعندما اخبرني بذلك امس كان آملا وكان خائفا من خيبة الأمل في نجاح المشروع، وكان قريبا من الشكوى دون أن يدخل اليها، لحسن الحظ. فالشكوى لا تليق بوجه باسم.و"اللمة" الموشكة مع ابي الزهراء على التهجير، معه أيضا في الأمل بتحويل عتمة آسنة الى ما كانه "مقهى البغدادي" على الدوام، ومعه كذلك في الخشية من أن يكون "أدنى طماح غير مضمون"!
أحاديث شفوية :دورة مياه للمثقفين!
نشر في: 16 مارس, 2012: 11:27 م