علي حسين في صباي كنت اذهب إلى شارع السعدون حيث الأرصفة مفروشة بالكتب، اشتري آلام فارتر لغوته وانتظر أن تكتمل أجزاء بؤساء فكتور هيجو، ادخل السينما وأنا افتح فمي فاغرا انظر إلى وجه فريد الأطرش الباكي، كنت واحداً من كثيرين يذهبون إلى الحياة بحثا عن الأحزان، كنا حزانى بلا سبب، متشائمين، نقرأ الكتب التي ترش الحزن مثل المبيدات الحشرية، ونبدو بعد القراءة أو مشاهدة الفيلم كأننا ناجون من محرقة هتلر.سنوات تلقفت ديوان "الفرح ليس مهنتي" لمحمد الماغوط وحفظته عن ظهر قلب وأخذت اردد أشعاره في وجه كل من يسألني لماذا أنت حزين؟..
الآن والمطر الحزين.. يغمر وجهي الحزينأحلم بسلمٍ من الغبار.. من الظهور المحدودبةوالراحات المضغوطة على الركب.. لأصعد إلى أعالي السماءوأعرف.. أين تذهب آهاتنا وصلواتناكنا نميل إلى الحزن فيما العالم حولنا يعيش سعادة وطمأنينة، بعدها تكفل نظام البعث بتأسيس ثقافة الحزن عبر حروب مجنونة وزعت موتها على كل بيوت العراقيين.الحزن والكآبة والتعود على طقوسهما، موضوع كتاب بعنوان "ضدّ السعادة"، حشد فيه مؤلفه إيريك جي. ويلسون جميع الشواهد التي ينبغي أن تردعنا عن الإحساس بأي معنى للتفاؤل، فالمؤلف يقول لك: نستيقظ على الذعر الذي يملأ العالم، بدءا من الحروب المنتشرة في جميع أطراف الكرة الأرضية وانتهاء بالفتحات في طبقة الأوزون، الأسلحة النووية التي تنتشر في جميع قارات العالم، الإنسان المهدد بالانقراض بواسطة الحروب والأمراض. المؤلف يقول، "الحزن منبع الإبداع، ومصدر كثير من الفنون والشعر والموسيقى العظيمة. كافكا، تينيسي وليامز، وفلويبر وايضا ستندال، جميعهم كانوا كئيبين".والمؤلف يبدو رجلا كئيبا، حاول كل شيء: الهرولة الصباحية، اليوغا، أفلام شين كونري، الابتسام في وجه الآخرين، الاستعداد لأكل الوجبات السريعة، كل ذلك لم يجعل منه سعيدا، ليقرر بالتالي أن يعتنق الحزن ويفلسف له، ولا يتوقف عند هذا الحد، بل إنه يتساءل إن كان العالم سيكون في حال أفضل أم لا لو خلا من الكئيبين أمثاله.تذكرت كتاب صاحبنا وأنا أشاهد مظاهر الحزن التي يحاول سياسيونا إحياءها وتعميمها عبر ممارسات تعيد العراق إلى زمن العصور الوسطى فالموسيقى حرام لأنها تثير الغرائز، والغناء رجس من عمل الشيطان، والفرح مهنة أصحاب الدنيا ونحن نريد أن نؤسس لثقافة الحياة الآخرة، زينة المرأة غواية، الضحك طريق إلى جهنم.سياسيون يفرضون من خلال عملهم كثيرا من الكآبة على الحياة الاجتماعية معززين ثقافة الظلام، يبددون الأمل ويحاصرون التفاؤل، يأمرون الناس بالكف عن ممارسة الفرح الذي لم يعد مهنة العراقيين بعد أن سادت مهن جديدة مثل العصابات والميليشيات وفرق الموت والعلاسة والحواسم وأمراء الحرب الطائفية والسياسيين المأجورين وكل هؤلاء يتبارون في كيفية ذبح السعادة والفرح ووأدهما في مقبرة الظلام.ايها السادة مازال في العراقيين رمق حياة، يثورون، يغضبون، يرضون، ينخدعون لكنهم شعب يرفض الموت، نريد ثقافة الحياة لا ثقافة الحزن، ثقافة الحياة هي التي قدمت الاوربيين إلى العالم رسل علم وفكر وتقدم، الشعوب التي لا تفرح لا تستطيع العيش، والشعوب التي لا تسعد هي شعوب لا تبالي بمصائرها، ثقافة الحياة هي التي أنجبت الكرملي والشبيبي ومصطفى جواد وعفيفة اسكندر وحقي الشبلي والرصافي الكبير وشيخ التنويريين الزهاوي ونزيهة الدليمي وغيرهم عشرات فيما ثقافة الحزن لم تنجب لنا سوى عدنان الدليمي وطارق الهاشمي وعلي الشلاه وعباس البياتي وعالية نصيف وغيرهم مئات الجالسين على أنفاس العراقيين.أيها العراقيون افرحوا ولتذهب إلى الجحيم كل خطب زعماء الطائفية ومعها وصايا المسكين مؤلف كتاب "ضد السعادة" وخطب الساسة البكائين وفترة الشباب التي خدعني فيها شامي كابور وهو يقطع قلوب مشاهديه في الفيلم الشهير "أم الهند".
العمود الثامن: ضـد الفرح
نشر في: 16 مارس, 2012: 11:29 م