 سرمد الطائيقبل عشرة أيام من قمة بغداد العربية، راح اسم العراق يتردد في التقارير المهمة دوليا حول سوريا. فشركة "ايران اير" المملوكة لطهران، تنقل عبر أجواء العراق مئات الأطنان من الأدوية كهدية من الهلال الأحمر الإيراني الى الهلال الاحمر السوري. لكن امريكا غاضبة، فقبل 4 اعوام كانت ايران تنقل البطيخ الى البصرة فيفتشه البريطانيون ليكتشفوا صواريخ الكاتيوشا المخفية تحته!
الأمر يكبر والمخاوف والتحذيرات تتسع وقمة العرب تقترب، الى حد اضطر رئيس الحكومة نوري المالكي الى اصدار بيانين خلال 3 أيام يؤكد فيهما ان بغداد ترفض مرور السلاح عبر اجوائها وستفتش كل الشحنات جوا وبرا، سرا وعلانية.فعدا بيانه الصادر يوم الجمعة، كان المالكي قد تلقى اتصالا من جو بايدن نائب باراك اوباما، لم تتضح تفاصيله الا بعد تصريحات الخارجية الامريكية امس الاول. حتى انني وضعت اتصال بايدن برئيس حكومتنا في "خانة المجهولات" عبر مقال سابق، اذ لم يتضح لاول وهلة لماذا يتصل بايدن فجأة فتخرج بغداد ببيان حكومي يقول ان الطرفين اتفقا على منع عبور الاسلحة الى سوريا. نتخيل ان للقضية صلة بقيام العشائر بتهريب الكلاشنكوف عبر الحدود، فيقال ان هذا امر بسيط. ثم نتخيل ان ايران تستخدم مطاراتنا لنقل اسلحة، وسينتهي الموضوع بمجرد تفتيش المطارات جيدا كما يقول المالكي، لكن التقارير الأمريكية تقول ان الموضوع اكبر واكبر ولن ينتهي بتشديد اجراءات التفتيش.ثم يقال لك باختصار إن الطائرات الإيرانية تعجز عن عبور أجواء تركيا أو الخليج وهي محملة بالأسلحة المهداة إلى نظام الأسد. ولم يبق لديها سوى أجواء العراق غير المحمية وغير المراقبة.وحين يحصل ذلك تأتي أمريكا وتطلب منا ان نفتش الطائرات الإيرانية المارة عبر أجوائنا.. ولكن هيهات، فليتنا امتلكنا طائرات تحمي الاجواء وتخولنا بسؤال "الرايح والجاي" عن مقصده وحمولته.. لكن أمريكا التي سارعت بالانسحاب وتركتنا بلا تسليح كاف، تحذرنا بلهجة شديدة من خرق قرارات مجلس الأمن التي تمنع تزويد الاسد بأسلحة يقتل بها شعبه.يا ساتر، فهل سيجد العراق نفسه متورطا مرة اخرى بعقوبات دولية لانه "يخرق بشكل لا ارادي" قرارات مجلس الامن في ملف حساس؟ هل سنجد انفسنا معاقبين من قبل المجتمع الدولي حالنا حال كوريا الشمالية رغم مرور 10 اعوام على اطاحة واشنطن بصدام حسين الذي قادتنا حماقاته "وبشكل قد يكون غير ارادي ايضا" الى البقاء 30 عاما تحت بند الوصاية الدولية؟لقد تركنا المجتمع الدولي وحيدين نواجه أسوأ اختبار. المجتمع الدولي لم يسمح لنا بتسليح انفسنا، (اذ ان الدنيا تشك بنوايانا وتسأل: كيف ستتصرف الكتل العراقية المتصارعة لو امتلكت اف 16 او ميغ متطورة ثم اختلفت وقررت التقاتل؟) والمجتمع الدولي لم يقم بحماية سماء العراق ليمنع وقوعنا في حرج كالذي يشعر به رئيس حكومتنا خلال رده على مكالمات قادمة من طهران واخرى قادمة من واشنطن، واستعداده لاستضافة قمة العرب!ايران تضطر لتوريطنا في ملف سوريا، ونحن نضطر للرضوخ لها لاننا ضعفاء. وامريكا التي تركتنا بلا نظام دكتاتوري وبلا جيش امريكي وبلا جيش عراقي، مضطرة لتوبيخنا امام انظار كل الدنيا، لان الملف السوري صار اكبر ازمة دولية بعد انهيارات منطقة اليورو.وعلى وقع دماء تسيل في مدن الشام، نراقب الامريكان يزدحمون على باب المالكي مستفهمين عن اخطر اختبار لعلاقتنا مع واشنطن منذ انسحاب الجيش الامريكي. والمالكي يصدر البيان تلو البيان محاولا تبديد مخاوف الخارجية الامريكية، وهو يواجه اقسى اختبار لتحالفه المزدوج الصعب مع طهران وواشنطن. والمالكي يحاول تجهيز الف جواب للرد على الف سؤال سينهمر عليه من العجم والعرب، اثناء القمة العربية. وسماء العراق تراقب وهي حائرة وغير مضاءة بالكهرباء، مرور طائرات محملة بأسلحة ايرانية ستذهب للتقاتل في الشام، وطائرات محملة بزعامات عربية ستأتي للاجتماع في بغداد. انه تجاور رمزي يجعل كل شيء في المستقبل يصرخ: الله يستر!