سرمد الطائي عرفنا هذه الايام كيف ستصبح بغداد قبل القمة، فهناك عواصف ترابية يقال انها ستتواصل طيلة الربيع، وحالة انذار في آلاف السيطرات تصعب حركة الاهالي. كما ان هناك اهتماما دوليا بسمائنا التي يقال انها تزخر بطائرات ايرانية تمر عبر العراق محملة بهدايا مسلحة وذخائر للرفيق بشار الاسد،
في رحلات مسجلة بوصفها تنقل شحنات "زهور" او "مواد غذائية". وسماؤنا ستزخر ايضا بطائرات تحمل زعماء عربا ووفودا دبلوماسية يفترض ان تشارك في القمة. وهذا يعني ان بغداد تعيش انذارا في سمائها وآخر على ارضها وبين قاطنيها وساكنيها.هذا حال بغداد قبل القمة، فما هو حال رئيس وزرائنا نوري المالكي يا ترى، في اللحظة التي تسبق جلوسه في مكان بارز داخل الفريق العراقي الذي سيرأس اجتماع قادة العرب؟في اللحظة التي تسبق القمة، نلاحظ ان المالكي لم يتمكن من تمرير موازنته المالية، التي ظلت عالقة بين تعديل وطعن ومحكمة اتحادية ومجلس وزراء معترض، وعلقت معها بالتأكيد العديد من مواعيد السداد والفواتير غير المدفوعة، ومعها مصالح مشاريع الطاقة والخدمات والسلف والوعود التي لا تنتهي. وكل تأخير في السداد يعني ضياعا وهدرا لفرص اقتصادية وتنموية وسياسية ايضا مع مختلف الشركاء من احزاب ووزراء ومحافظات وجمهور.وفي اللحظة التي تسبق القمة يضطر الرجل لضبط اعصابه كثيرا وهو يحاول تهدئة مخاوف اميركا من موقف العراق تجاه بشار الاسد، وهو طريق ايضا لطمأنة مخاوف العرب من طريقة بغداد في ادارة ما يخصها من ازمة دمشق.اما اكثر الاشياء خطورة في اللحظة التي تسبق القمة، فهو الاختبار العسير الذي يواجه علاقة المالكي بحلفائه الرئيسيين في الحكومة الائتلافية. فبعد خراب الحال والمآل مع رموز قائمة اياد علاوي، والبرود غير المسبوق مع عمار الحكيم زعيم المجلس الاعلى الذي انشقت عنه منظمة بدر منحازة لرئيس حكومتنا، تتصاعد حدة الخلاف بين بغداد وكردستان ويعود زعيم ائتلاف دولة القانون كي يسمع من رئيس اقليم كردستان مسعود بارزاني، اقسى ما يمكن ان يسمعه هذه الايام، اذ يضعه امام اكثر الحقائق حراجة في الوضع الداخلي.وتصاعد الخلافات داخل ائتلاف السلطة غير المتماسك، يعني ان المالكي مشغول بتهدئة خواطر العرب عبر ألف وسيلة ووسيلة، وان المالكي مشغول بتنظيم احتفال متواضع بتعيين سفيرين غير مقيمين في بغداد لسلطنة عمان والعربية السعودية.. لكنه في هذه الاثناء لم يحاول ان ينهمك قليلا بإعداد مبادرة لتبريد اجواء البيت العراقي الساخن من حلبجة التي زارها الحكيم وعلاوي مؤخرا، حتى كورنيش العشار الذي سيشهد مظاهرة كبيرة للتيار الصدري قريبة من ذكرى "صولة الفرسان" وحرب اجتياح العراق وموعد عقد القمة.لم ينجح المالكي طيلة الاسابيع الماضية في تنظيم اتصالات مناسبة مع شركائه الرئيسيين، وظل يدير المعركة على اساس قاعدتين. الاولى يفترض فيها ان على الجميع القبول بالامر الواقع وأن هذا الواقع الداخلي لا يمكن تغييره. والقاعدة الثانية ان المالكي يرد على تصريحات خصومه الاساسيين، عبر كلام لاذع يصدر من اعضاء ثانويين في فريقه. اي انه تخلى عن مهمة "اطفاء النيران" وأوكل الامر الى نواب من كتلته لا يبرعون عادة في اختيار الكلمات المناسبة للرد على اعتراضات شركائه بشأن طريقة الشراكة.وربما كان هناك الف اعتراض على "خرافة" عقد المؤتمر الوطني قبل القمة، كما ان هناك الف اعتراض آخر على طرح الازمة العراقية ضمن اجندة القمة.. لكن عجز المالكي عن بذل جهد للقاء غرمائه الاساسيين ومحاولة تبريد جزئي لاجواء البيت الساخن.. سيظل امرا غير مفهوم، ومشهدا لا نحب ان يراه ضيوفنا الاستثنائيون.صورة المالكي التي تسبق القمة لا تسر احدا من العراقيين. فهي تعني ان زعماء من كل حدب وصوب سيأتون لرؤية ازمة عميقة في بغداد بين رئيس الحكومة وكل شركائه تقريبا، بينما يراد للقمة مناقشة ازمات دامية في دمشق ومستقبلات غامضة في دول الحراك العربي، وخطوطا تتقاطع قرب مضيق هرمز وسواه.
عالم آخر :صورة المالكي قبل القمة
نشر في: 18 مارس, 2012: 10:21 م