TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > أحاديث شفوية :حبل المشنقة

أحاديث شفوية :حبل المشنقة

نشر في: 18 مارس, 2012: 10:23 م

 احمد المهنا حبل المشنقة الذي أعدم به علي حسن المجيد ذهب الى حلبجة. لا بأس. المهم أن لا تفقد هذه "الملكية الوطنية"، وأن لا تنسى. ولا بأس أن تذكر بها بلدة، ليست ككل بلدة. صحيح أن الرجل المشنوق بهذا الحبل وزع همجيته على الجميع. ولديه شهادات موثوقة بذلك، من زاخو لحد الكويت. لكن حلبجة لا تشبه سواها. مثلما أسلحة الدمار الشامل لا تشبه بقية الأسلحة. ان جميع الأسلحة تقتل. ولكن القتل بالجملة غير القتل بالمفرد. وكانت حلبجة ضحية إبادة جماعية. إنها المثل المتطرف على فظائع عراق صدام.
واذكر أنه في مؤتمر دولي حول الأسلحة الكيمياوية عقد بباريس عام 1989، طرح اقتراح بإدانة نظام صدام لإستخدامه هذه الأسلحة، بعد اشتهار مأساة حلبجة. وقد تعذر الأخذ بالمقترح، رغم أن القانون الدولي ينص على تجريم استخدام هذا السلاح. لكن المسألة هي ان القانون منع استخدامها في الحروب بين الدول. ولم تخطر في ذهن المشرع امكانية قيام دولة بإستعماله ضد شعبها!كان صدام نموذجا استثنائيا. وقد فاقه خادمه علي حسن المجيد في اعلان ما لم يتجرأ على إعلانه صدام نفسه. ففي يوم من الأيام وثقت له الصورة كلاما لا تجد له نظيرا بين كل ما صدر عن لسان المسؤولين عبر العصور. الرجل أمام وفد عربي ضم الشخصية اللبنانية المعروفة معن بشور قال:" العراق كان يوما 30 مليون..جتله (قتله) المرض والجهل والفقر والأوبئة..سوته (جعلته) 3 ملايين..هسة ( الآن) العراق 25 مليون..طيب خل يرجع 5 ملايين..شصار( وماذا في ذلك)؟ يعني أنا مؤمن بهذا..وترجع الأمة وتنتصر مثل زمن الرسالة..حيا الله الموت خل كل ال 25 مليون يروحون فداء لأمة العرب..تنهض الأمة من جديد وينبني هذا العراق وتنبني الأمة"!الرجل يدعو للتضحية بجميع شعب العراق من اجل فكرة لا يعرف هو ولن يعرف سواه اي معنى لها. غير انه كلام يبلغ معناه الذروة في انعدام الإحساس، والكمال في استرخاص سفك الدماء، والتمام في استسهال الإبادة الجماعية.كان الرجل أشد سفاهة من سيده. ولذلك يجب أن لا ينسى كل ما يتعلق به، ومنه الحبل الذي قضى فيه. فلا نسيان ولا غفران لملوك الإبادة الجماعية.ولكن اين يجب أن يحفظ هذا الموروث الشنيع، بما فيه حبل المشنقة الذي قضى على أحد سادة هذا الموروث؟ما ذكر أفاد بأن حبل المشنقة سيحفظ في النصب التذكاري المخصص لضحايا المجزرة. فهل يعني ذلك أنه سيعرض أمام أنظار المارة في الفضاء الطلق؟ينبغي أن لا يكون الأمر كذلك. فالفضاء الطلق ليس أفضل مكان لعرض البشاعة. وحبل المشنقة بشاعة ما بعدها بشاعة. إن عرض البشاعة في الأمكنة العامة، مثل الشوارع والساحات، هو انتصار لها، وتأبيد لها، لأنه يعلم اعتيادها، وألفتها. وهذا تماما عكس المطلوب من حفظ تاريخ الفظائع، وهو التعلم من قسوتها رحمة، ومن غلظتها شفقة، ومن ذكراها ثقيلة الوطأة رقة.ان مكانها متحف خاص، يحبس الأنفاس عند رؤيته، لا أن تتنفس الناس على راحتها وهي ترى البشاعة في فضاء مكشوف. وصدام بالذات كان يتنفس بجعل العراق مسرحا مكشوفا للبشاعة. ولن تنقطع أنفاسه طالما استمر وضع القبح في موضع الجمال.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram