علي حسين انتظر الناس رداً من الحكومة بِشأن عدم تنفيذ وعودها في مهلة المئة يوم التي مر عليها عام بفصوله الأربعة، فخرج عليهم رئيس الوزراء بتصريح من عدة كلمات قال فيه: انه متمسك بالترشيح لولاية ثالثة، طبعا لا اعتراض عندي على أن يجرب السيد المالكي حظه في ولاية ثالثة، ومثل ملايين العراقيين لا أملك أن امنع أي سياسي من أن يتربع على كرسي الحكم ما دام صندوق الانتخابات منحه هذا الحق،
ولكن في معظم دول العالم نجد أن العديد من الساسة يمارسون فضيلة مراجعة النفس والاعتراف بالخطأ والذي يشكل اليوم جزء من نسيج الحكومات المتحضرة، وتاريخ الاعتذارات مليء بالمواقف الصعبة لعدد كبير من المسؤولين في الغرب وهم يخرجون للناس يقدمون اعتذاراتهم، ومعها خطاب الاستقالة بسبب أفعال أضرت بالمصلحة العامة.الجميع يعترف ويعتذر ويطلب المغفرة ويتوسل "سامحوني"، ويسامحهم المجتمع وتعفو الجماهير وتستمر دورة الحياة.. الاعتراف بالخطأ عندهم أهم من الخطأ نفسه. سنوات مرت ولم نسمع إن مسؤولاً قال بصوت عال "سامحوني فقد أخطأت"، فهم لا يخطؤون.. وان أخطأوا "لا سمح الله" فهذا في مصلحة البلاد والعباد ولا يجوز الاعتذار عنه. في تجارب الشعوب التي طالما أعود إليها أجد في نموذج البرازيل مثالا للبلاد التي استطاعت بفضل ساسة ان تحقق انعطاف مهم في تاريخها. دارسو الحالة البرازيلية يعتبرون انتخاب الرئيس "لولا دا سليفا" عام 2002 شكّل انتقالة مهمة في حياة البلاد، وخاصة عندما أطلق في مطلع عام 2003 برنامجه الشهير "الجوع صفر"، أي "القضاء على الجوع" والذي ربط فيه بين تقديم مساعدات مالية للأسر الفقيرة وبين دخول أبنائها إلى المدارس، وكان هذا البرنامج قد طال حوالي أكثر من نصف سكان البرازيل منذ بداية تطبيقه.ظل لولا في الحكم حتى عام 2010 عندها شعر أهالي البرازيل بنوع من الخيبة لأن الدستور لا يسمح لـ"رئيسهم المحبوب" بالبقاء رئيسا للبرازيل، قدم صورة أخرى للزعامات في العالم، فبينما يلقي بعض الرؤساء الخطب الرنانة أعطى لشعبه، ازدهارا لم تعرفه من قبل.. أعطى الفقراء وعدا وقطع لهم عهدا.. لم يكذب عليهم ولم يركب على أكتافهم.. لم ينس يوما أنه فقد والده بسبب الفقر وبسبب أصحاب البدلات العسكرية الذين كانوا يحكمون البرازيل رجلا بعد آخر، وبينما يصر البعض على الاستمرار في السلطة حتى النفس الأخير، مشى "لولا " حتى اليوم الأخير من حكمة مؤمنا بالدستور رافضا أن يغيره لصالحه فيبقى رئيسا مثلما يتمنى معظم أهالي البرازيل. استطاع بفضل نزاهته وحكمته وإصراره على إشاعة روح العدالة الاجتماعية أن يحدث اكبر التحولات السياسية والاقتصادية في العالم، وحين يطمئن إلى أن كل شيء يسير في الطريق الصحيح نفض يديه من السلطة وقرر ان يحتكم للدستور، لا ولاية ثالثة حتى وان كان السبب في انقاذ الملايين من العوز والتشرد والتسلط وحول بلادهم إلى فردوس على الأرض. اما نحن مساكين هذه البلاد فقد توهمنا أن التغيير سيجعل الحرية حق والأمان حق، وحب الحياة حق؟ فإذا نحن أمام ساسة حولوا الحق إلى ضلالة والحياة إلى جحيم يكتوي بنارها معظم العراقيين.كنت أتمنى لو سأل السيد المالكي نفسه ما الذي تحقق في ولايته الأولى ومن بعدها الثانية؟ هل يعيش العراقيون اليوم جميعا متساوين بالحقوق والواجبات؟ هل شعار حكومتنا الكفاءة أولا؟ هل بنينا دولة مدنية لا تميز بين المواطنين؟ هل أبدعت الحكومة؟، في الإعمار وإدارة شؤون البلاد أكثر من إبداع مسؤوليها في تعليم الناس الحشمة الأخلاق الحميدة. بعد تسع سنوات من التغيير استيقظنا على مسؤولين وسياسيين، جاءوا باسم المحرومين والمظلومين وتحولوا إلى أغنى طبقات المجتمع، صدعوا رؤوسنا بخطب عن دولة القانون فيما هم يهرّبون أموال الشعب، دمروا الحياة السياسية وأقاموا بديلا عنها تجمعات شعارها المحسوبية والانتهازية. السيد المالكي الناس تريد أن تعرف ماذا ستقدم لهم في ولايتك القادمة قبل ان يخرج عليهم احد المقربين وهو يهتف: ولاية ثالثة ولتضربوا رؤوسكم في "الحائط".
العمود الثامن : ولاية ثالثة.. ولتضربوا رؤوسكم "بالحائط"
نشر في: 18 مارس, 2012: 10:37 م