ثامر الهيمصتزدهر مفارقات كثيرة في الساحة الاقتصادية والاجتماعية فمثلا لدينا أكبر موازنة في تأريخنا وخط الفقر يراوح بين ربع وخمس الشعب ولدينا نهران عظيمان ونستورد ماء الشرب وعندنا ثاني احتياط نفطي في العالم ونستورد المشتقات النفطية. واجتماعيا أننا دولة ديمقراطية منذ عقد من الزمان وممارسات اجتماعية كانت قبل الإسلام سائدة بفعالية شديدة وأعلى صوتا في المجتمع العراقي ولها تجليات سياسية مؤثرة يحسب لها حساب كعنصر اساسي في اتخاذ القرار مع تزايد وتيرتها.
لدينا بطالة ونستورد عمالة هذه مفارقة عندما نعمد لتفكيكها نجد أن حلها يرتبط بكل عناصر العملية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. "عطال بطال" وتحت خط الفقر ويعمل في الدرك الأسفل (قمامة تسول وصولا لمافيات التهريب والمخدرات وختاما بالإرهاب والجريمة المنظمة). ولا يتجه للعمل بديلا عن العمالة الأسيوية والتي هي جزء مما أتت بها الشركات الأمنية أو الاحتلال قبل الانسحاب. رجل الأعمال العراقي يفضل العامل الآسيوي لثلاثة دواع؛ أنه أجدى اقتصاديا إذ تتراوح أجرته بين المئة دولار الى المئتين وهم غالبا عمالة غير ماهرة وثانيا هو أعزب ويمكن أن يكون حارسا في مقر العمل ومستعد لعمل أي شيء ولا يستنكف أو يرفض، إضافة إلى أنه بدون عطلة رسمية أو دينية. والأهم ثالثا أنه بلا عشيرة. كما لا يفوتنا -مواكبة للدواعي الثلاثة- إن التدريب المهني والتحصيل العلمي كان في أسوأ حالاته خلال سني الحصار الاثني عشر عاما، وما ترتب على ذلك من بؤس الخبرات المهنية والعلمية وعدم تطبيق من تعلم نظريا في تلك الفترة لوجود بطالة في الخريجين متراكمة مع تردي الحرف والمهن وهجرة وضعف المهارات نتيجة غلق المشاريع الصغيرة والكبيرة وزاد الطين بلة شلل المشاريع كافة بفقدان الكهرباء والاستيراد العشوائي. هذه هي العوامل الموضوعية باختصار، أما العامل الذاتي في استيراد العمالة فيعود إلى أن العامل العراقي أقل استعدادا للعمل الجدي والطاعة لرب العمل وهذه أسباب كافيه لرغبة أرباب الإعمال بالتعامل مع الأجنبي. حيث أن العامل العراقي غير الماهر بالإضافة لضعف مهارته حتى في المهن البسيطة مازال متكئا على رصيده الاجتماعي/ العشائري عندما يهدده رب العمل بالطرد، ورصيده الآخر أي الديني فانه سببا أساسيا في الضغط على صاحب المشروع باحترام الطقوس سواء كانت واجبة أو مستحبة على حساب العمل وجدواه وهذه ملموسة خصوصا في مشاريع البناء في القطاعين العام والخاص. ولذلك سمحت الحكومة مرغمة وبموجب قانون الاستثمار للشركات الأجنبية المتعاقدة معها فقط بجلب عمالة أجنبية بمختلف المستويات، وغير مسموح للقطاع الخاص الذي وصل الأمر ببعضهم ألاّ يحصل على محاسب أو مدقق يجد صعوبة في ذلك حيث أن المسافة بين ما تعلم وما مطلوب كبيرة إضافة لروح بيروقراطية الدولة المتأصلة فيهم. لذلك على الأقل على العشائر المعترف بها رسميا وتتعاطى مع الدولة بمستويات مختلفة أن تسحب نفسها من هذا الميدان وحتى الجهات الدينية عليها أن تثقف أن العمل الحلال أكثر ثوابا من المستحبات. ويترك أمر حقوق وواجبات العامل والموظف إلى نقابته وجمعيته وسلطة القانون في دولة القانون لنفتح ثغرة في جدار هذه المفارقة الفريدة على الأقل.
فضاءات :العمالة الأجنبية والعشيرة
نشر في: 21 مارس, 2012: 07:08 م