عبد العليم البناء لقد كانت السينما وما زالت أفضل ناقل للعادات والتقاليد، فضلا عن تأثيراتها الثقافية المتنوعة مجتمعيا وإذا كانت السينما هي فن وثقافة وصناعة فإنها تقتضي آليات تحوز في الأقل على الشروط الدنيا للإنتاج الذي يستدعي التوزيع وهذا يستدعي البحث عن المستهلك..
وبالنسبة للسينما العراقية لتي شهدت انطلاقتها الأولى على أيدي القطاع الخاص عام 1946 بإنتاج فيلم (ابن الشرق) فإنها شهدت تحولات مختلفة وعلى مراحل عدة تمخضت عن إنتاج سلسلة من الأفلام الروائية والوثائقية المتباينة في مضامينها ومستوياتها وتأثيراتها وحتى في أشكال دعمها. وكان من بين مراحل تطور العمل السينمائي، ضمور وانحسار دور القطاع الخاص واستحداث (مصلحة السينما والمسرح) في مطلع الستينيات من القرن الماضي وصولا إلى عام 1975 الذي شرع فيه القانون رقم (146) الخاص بالمؤسسة العامة للسينما والمسرح، التي شهدت هي الأخرى تحولات إدارية اخرى انعطفت بها نحو مسارات الضعف والوهن بسبب توجهات النظام المعروفة .ولعل اخطر وأصعب مرحلة مرت بها السينما العراقية هي تحويل دائرة السينما والمسرح وشمولها بقانون الشركات وخضوعها لنظام التمويل الذاتي في النصف الثاني من تسعينيات القرن الماضي، الأمر الذي ادى الى انتكاسة حقيقية وشاملة للسينما العراقية لم تشهدها من قبل وقد فاقم في هذه الانتكاسة ظروف الحصار الشامل المفروض على العراق آنذاك، فكان ان توقفت عجلة الإنتاج السينمائي بانتهاء إنتاج الفيلم الروائي الطويل (الملك غازي) للمخرج القدير محمد شكري جميل الذي بقي منذ تلك اللحظة، يحاول الشروع برائعة جديدة ولكنه لم يفلح وقد لن يفلح، حتى وان حصلت الموافقة على فيلمه الروائي الجديد (المسرات والأوجاع) الذي كتب السيناريو له الكاتب ثامر مهدي عن رواية بالاسم ذاته للأديب الراحل فؤاد التكرلي ضمن مشروع بغداد عاصمة للثقافة العربية لعام 2013 لأسباب سنأتي على ذكرها لاحقا. واقع حال البنى التحتية لدائرة السينما والمسرح: ما تمتلكه الدائرة الآن من أجهزة ومعدات إضافة الى الكاميرا السينمائية الوحيدة (R1 535 فلكس) أربع كاميرات ديجيتال وهي كاميرات غير سينمائية، إضافة الى منظومة صوت وإنارة وسيت مونتاج وكلها لا تضاهي ما موجود لدى القطاع الخاص، فضلا عن تقادم أجهزة العرض السينمائي في المسرح الوطني ومسرح المنصور والاحتفالات وهي لم تعد صالحة لعرض الأفلام السينمائية ذات الطبيعة الإنتاجية الحديثة، مما يتطلب شراء اجهزة عرض حديثة بنظام (دولبي) التي تبلغ كلفة الواحد منها أكثر من (30) ألف دولار وتمتاز بوجود خاصية العرض الشريط السينمائي 35 ملم وللشريط الكاسيت الفديوي. وقد برزت هذه المشكلة عند محاولة عرض أفلام (احلام) و (ابن بابل) لمحمد الدراجي و (كرنتينة) لعدي رشيد إذ لم يتمكن مخرجوها من عرض هذه الأفلام المهمة التي مثلت نواة الانطلاقة الجديدة للسينما العراقية بما يتفق وأسلوب ونوعية تصويرها، الامر الذي ادى الى حصول تشويه وعدم وضوح عرضها، وستظل هذه المشكلة قائمة لحين استيراد اجهزة العرض الحديثة التي اشرنا لها والتي ستوفر الفرصة لعرض جميع الافلام العراقية الحديثة على الشاشة العريضة. ويعلم جميع المعنيين أن جميع ما أنتج من قبل هذه الدائرة وباقي الجهات المعنية بالإنتاج السينمائي داخل العراق من أفلام كانت جميعها بكاميرات الديجيتال باستثناء الفيلم الروائي الطويل (كرنتينة) للمخرج عدي رشيد الذي أنتجه وفق عقد خاص مع دائرة السينما والمسرح وتم تصويره بالكاميرا السينمائية الوحيدة لها (R1 فلكس 535) التي اشرنا لها آنفا. وهذا يشير إلى حقيقة أخرى مفادها أن التصوير بهذه الكاميرا وحده ليس بكاف إذ يتطلب إجراء عملية المونتاج والطبع والتحميض والمكس والمؤثرات الصورية والصوتية خارج العراق لعدم وجود ستوديوهات سينمائية داخل العراق كما ذكرنا. لقد جاء مشروع بغداد عاصمة للثقافة العربية لعام 2013 ليكون بادرة أمل نحو استكمال الانطلاقة الجديدة للسينما العراقية بعد ربيع بغداد عام 2003، إذ تمت المصادقة على إجازة وإنتاج مجموعة من الأفلام السينمائية الجديدة التي توفر لرواد وشباب السينما العراقية فرصة خوض غمار تجربة جديدة بآفاق إبداعية جديدة بعيدة عن قيود الادلجة والقمع والكبت لحرية التعبير التي لا يمكن من دونها خلق نهضة سينمائية حقيقية، لاسيما أن المبلغ المخصص هو خمسة مليارات دينار عراقي وهو ما لم يحصل في تاريخ السينما العراقية. وعلى هذا الأساس تشكلت لجنة فحص وإجازة للنصوص المقدمة، وفي هذا السياق فإن المبالغ المخصصة من قبل الوزارة التي بلغت خمسة مليارات دينار عراقي لم يصرف منها سوى مبلغ قدره (178) مليوناً بموجب عقد خاص مع دائرة السينما والمسرح باعتبارها منتجا منفذا لأربعة أفلام من جميع الأفلام المشار إليها آنفا ، ومجموع مبالغها (178) مليون دينار وتعادل نصف الميزانيات المقرة لهذه الأفلام، على أمل ان يتم تسليم النصف الثاني بعد الانتهاء من انجاز هذه الأفلام. ولكن ظهرت عقبة أخرى لم تكن بالحسبان وهي تتعلق بالإجراءات الإدارية الروتينية التي ربما ستقضي على هذا المشروع الموعود بأكمله تتمثل بان وزارة الثقافة وقب
السينما العراقية ودائرة السينما والمسرح
نشر في: 21 مارس, 2012: 07:28 م