أحمد عبد الحسين لم يقل السيّد مسعود بارزاني في رئيس الوزراء السيّد نوري المالكي أكثر مما قلناه ونقوله منذ تسلّم الأخير الحكم، كنا نقول إنه سائر نحو التفرّد بالحكم وإنه يقصي مناوئيه ويستثمر مقدّرات الدولة لترسيخ بقائه لفترات قادمة، وإنه يستخدم القانون بانتقاء فاضح، وإنّ الوضع الأمنيّ لا يستقرّ لأنه تفرّد بكل المناصب الأمنيّة،
وإنّه ساعٍ إلى الهيمنة على الاقتصاد والإعلام والقضاء، وإن ما يحدث يرسل إشارات بيّنة لحكم قمعيّ يلتقطها حتى الغافل، ولن تنفع في التمويه على الرغبة بالديكتاتورية كلّ مساحيق الإعلاميين الرسميين الذين أغدق عليهم المالكيّ من كيس الدولة هِباتٍ وأراضيَ ومناصب وأموالاً طائلة.قلنا هذا مراراً وتكراراً، وبدا كما لو أننا كنا نحاور أنفسنا إذ لا أحد يصغي، فالكثرة الكاثرة أصابها الشللُ ترغيباً أو ترهيباً، ومنذ قمع التظاهرة العراقية الكبرى في 25 شباط الأغرّ وما تلاها من اعتقالات واغتيالات وبلطجة، رُبط كل احتجاج ضدّ السيّد المالكيّ بمؤامرة بعثية أو خارجية، حدث هذا بعون من الماكينة الإعلاميّة الرسمية التي عرف السيّد المالكيّ أن يجلب لها رجالاً يمكنهم المساومة والتفاوض على كلّ شيء ـ بما فيها الصدق والمهنية ـ مقابل المال.لا جديد إذن في تصريحات بارزاني سوى أنها أتتْ من فم سياسيّ بارز لا من قلم صحفيّ مغمور، ومن هنا أهميتها، فهو لم يفعل أكثر من تهيئة مرآة صقيلة نظيفة ووضعها أمام المالكي ليرى الحقيقة.ساعة الحقيقة دقّتْ بقوّة يوم أمس، فالتصريحات لم تأتِ من خصم "عقائديّ"، أو من متّهم بالإرهاب هارب، ولم تأتِ من رجلٍ خاسرٍ في اللعبة السياسيّة، بل أتتْ من شريكٍ تأريخيّ دائمٍ كان ـ قبل وبعد التغيير ـ مناصراً لـ"مظلومية" الطائفة التي صعد المالكيّ ورهطه باسمها، وله مع رموزها التقليديين ـ ساسة ورجال دين ـ علاقات وثيقة، وهو ـ إضافة إلى ذلك كله ـ يمتلك ما يرفعه حجة على فشل الحكومة المركزية، قياساً إلى نجاح الإقليم في كل الصعد.البديهة القاضية بأن الحكومة فاشلة، وأن رموزها فاشلون لم تكن تسترعي انتباه أحد منهم أو من مواليهم، لأن الضجة كبيرة والقانون جاهز لمعاقبة من يجرؤ على سبّ العنب الأسود، والتهم مفصّلة بعناية. لكنّ العراقيين كلهم باتوا يعرفون الآن أن الترياق الطائفيّ الذي ألجم الجميع وجعل بعضهم يخشى بعضاً ويصمتُ عن بوادر ديكتاتوريّة هي الآن "عذراء داخل شرنقة"، هذا السمّ الطائفيّ الزعاف على وشك أن ينتهي مفعوله ويفتضح أمر مَنْ صنعه ووزعه ليصعد على أكتاف البسطاء وليغدو حاكماً بأمره. باستيقاظ العراقيين من سباتهم الطائفيّ ستتهاوى وجوه وأقنعة كثيرة، وإذا كان صوتنا ضعيفاً الآن فبسبب الأصوات الزاعقة للبوّاقين من إعلاميي السلطان والمطيّبين والمبخرين ولاحسي القصاع.ليس هذا العمود مديحاً لبارزاني ولا هجاء للمالكي. إنه تذكير بالساعة التي تأتي على كلّ سلطان حين يتكرّم عليه أحد ويضع أمامه مرآة ليرى وجهه. بعد أن أقنعه المقربون المتملقون بأنه يوسف في الحُسن وهرقل في القوّة.
قرطاس :المالكي أمام المرآة
نشر في: 21 مارس, 2012: 08:22 م