TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > في الحدث: خسارة البابا شنودة

في الحدث: خسارة البابا شنودة

نشر في: 21 مارس, 2012: 09:06 م

 حازم مبيضينلم يخسر أقباط مصر وحدهم زعيمهم الديني البابا شنودة, وإنما فقد العالم العربي في هذا الظرف بالذات زعيماً وطنياً, تجاوز تأثيره أرض الكنانة, ليؤكد بالعديد من المواقف الجذرية, انتماء أقباط مصر إلى محيطهم العربي الإسلامي, وتناغمهم مع القضايا الوطنية ذات الطابع القومي, وهو الذي عرف ليس فقط كرجل مصلح,
 وإنما كصمام أمان للعلاقة بين أقباط مصر ومسلميها, وهي علاقات شهدت بعض التوترات على يد متشددين ظلاميين من الطرفين, وكان البابا قادراً على لجمها, ومنع شررها من التحول إلى حريق يطال الجميع.أخيراً رحل صاحب المقولة الرائعة ( مصر وطن يعيش فينا، وليست وطناً نعيش فيه )، وهو الذي رضع من أمهات مسيحيات ومسلمات, بسبب وفاة والدته عقب ولادته, وكرس حياته كلها داعياً للوحدة الوطنية, لكنه رحل عن بلد يواجه ظروفاً قاسيةً وملتبسة, وكرس أربعين عاماً قضاها جالساً على كرسي البابوية, لإغلاق الباب أمام الفتنة الطائفية, وخدم في القوات المسلحة المصرية كضابط احتياط, ومارس العمل الصحفي, وكان عضواً في نقابة الصحفيين, وكان يقرض الشعر كما كانت ثقافته الاسلامية واسعة.كان البابا شنودة زعيماً وطنياً, اصطدم مع الرئيس السادات, لاعتراضه على أسلوبه في التصدي لعنف الإسلاميين في سبعينيات القرن الماضي, كما رفض معاهدة السلام مع إسرائيل,  بسبب إجراءات الاحتلال في مدينة القدس, وحدد السادات إقامتة في دير وادي النطرون عام 1989, كان رمزاً للتعايش بين الأديان, ووصل به الأمر حد إقامة حفلات إفطار رمضانية لكبار الشخصيات, من مختلف قطاعات المجتمع المصري.بعد غياب هذه القامة المديدة, ستواجه الكنيسة المصرية مأزقاً كبيراً ليس فقط فيمن يخلفه، ولكن أيضاً في طبيعة الشخصية القيادية التي ستتولى هذه المهمة، التي يختلط فيها السياسي بالديني، بعد أن ثبت البابا الراحل لنفسه شخصيةً سياسيةً نافذة, صحيح أن ذلك أدى إلى معارضته من قبل التيار العلماني، الذي يرفض تدخل البابا في الشؤون السياسية للأقباط، على اعتبار أنهم جزء أصيل من نسيج المجتمع المصري, لا يجوز لأي زعامة دينية أن تتدخل في شؤونهم السياسية, لكن السؤال الملح هو هل باستطاعة البابا الجديد, أن يملأ الفراغ السياسي، الذي تركه البابا شنودة, الذي ظل في بؤرة الأحداث طوال الثلاثين عاما الماضية، وكانت له مكانته السياسية في سدة النظام والدولة.بعد البابا شنودة, يرى بعض الأقباط أنه لا ضرورة لانتظار صفات غير عادية في البابا القادم, إذ أن ما تميز به البابا الراحل من كاريزما, وصفات شخصية سياسية كان استثناءً، ولكن القاعدة في الصفات التي يجب أن تتوفر في البابا القادم, هي صفات وشروط محددة, كنسية أكثر منها سياسية، وبعضهم يريد أن يعود المنصب إلى أصوله, وألا يكون الزعيم الروحي للأقباط زعيماً سياسياً, المطلوب اليوم أن لا يخرج البابا عن الدور الروحي للكنيسة، وترك الامور السياسية للأقباط, بوصفهم مواطنين, ومشاكلهم كمشاكل جميع المصريين، ولا يجب أيضا أن تتدخل الكنيسة في حل المشاكل الطائفية، بل يجب تفعيل القانون, ومواجهة المتورطين في المشاكل الطائفية, كمواطن في مواجهة مواطن, وليس كقبطي في مواجهة مسلم.غياب البابا شنودة في هذه الظروف, يثير مخاوف الدولة المصرية, من عدم احتواء البابا القادم لملف الفتنة الطائفية، لأن البابا شنودة تعامل معه بحكمة ووطنية, جاءت في الغالب على حساب الأقباط، حتى إن الكثيرين منهم في هذا الملف عارض البابا، ولكنه تحمل، وكانت الضريبة التي دفعها البابا للحفاظ على وحدة مصر, كان البابا أمام أحد طريقين, إما المواجهة وهذا كان سيعصف بوحدة مصر, أو الاحتواء حتى ولو كان الأمر على حساب الأقباط، ولكنه اختار الاختيار الثاني مدفوعاً بمشاعره الوطنية.رحم الله البابا شنودة, وعوض مصر عنه خيراً.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

جلسة "القوانين الجدلية" تحت مطرقة الاتحادية.. نواب "غاضبون": لم يكن هناك تصويت!

القانونية النيابية تكشف عن الفئات غير مشمولة بتعديل قانون العفو العام

نيمار يطلب الرحيل عن الهلال السعودي

إنهاء تكليف رئيس هيئة الكمارك (وثيقة)

الخنجر: سنعيد نازحي جرف الصخر والعوجة

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram