 سرمد الطائي كنت أود اليوم أن أتحدث عن خطاب رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني، لا لكي أعارض أو أؤيد، بل كي أسجل وصفا مختصرا، لأنه استجمع اعتراضات عمرها 6 أعوام جرى تسجيلها على أداء رئيس الحكومة نوري المالكي، عبر مواقف عمار الحكيم وفريقه البارز، ومقتدى الصدر وتياره، إلى جانب أحمد الجلبي وغيره من رموز التحالف الشيعي،
في موازاة كل الاعتراضات التي يسجلها التحالف الكردستاني وأطراف القائمة العراقية. أي أننا أمام "إعلان نوروز" الذي يلخص تجربة قادة العملية السياسية مع رئيس حكومتنا طيلة ولاية ونصف من الوزارتين الائتلافيتين بين 2006 و2012 وعشية القمة العربية في بغداد.لكنني اشعر اليوم بحرج حقيقي من حالة أخرى وجدتها بين عساكرنا وطريقة رؤيتهم لأداء الحكومة. فقد فضلنا أن ننهمك في عطلة النوروز "بالمشي على الأقدام" إذ لا خيار آخر عدا هذا، ومررنا بأكثر من 20 سيطرة قرب النهر وعبر الجسر وعلى الكورنيشات وفي شوارع "موحشة" خالية من الناس تقريبا، فهذه صورة بغداد قبل 9 أيام من قمة العرب.وتقصدت مع الأصدقاء أن ندردش مع الجند في كل تلك السيطرات بشأن الإجراءات الأمنية القاتلة التي جمدت الحياة، ولم تكن مصادفة أن العساكر كانوا مثل الشعب، "زهقانين" من حديث القمة وما يحيط بها من مخاوف أمنية، والانكى أنهم زهقانين من إدارة الحكومة لهذا الأزمة، فالدولة لم تنجح في إقناعهم بأن هناك واجبا يستحق منهم كل هذا الإنهاك.جندي يتمتع بظرافة واضحة راح يسخر بشدة من نفسه ومن الحكومة ومن الشعب ومن قرارات عاهلنا وعاهلهم: "شنو موازينا، وشنو جابرنا على استضافة قمة في بغداد التي ليست مستعدة أبدا لاستقبال حدث من هذا النوع؟". هذا يعني انه إضافة إلى الشعب، فإن معظم الـ100 ألف عنصر امني المنتشرين في بغداد، غير مقتنعين بأن انعقاد القمة في هذه الظروف يستحق إيقاف الحياة بهذه الطريقة. راح الجندي يسأل: طيب لماذا في بغداد المزدحمة اساسا بكل المشاكل، لماذا لم يكن لدينا "شرم شيخ" خارج العاصمة ليجتمع فيه الناس؟أما في نقطة التفتيش الاخرى فواجهنا سخطا اكبر. يقول جندي شاب انه لم ير عائلته منذ اسبوعين، ولن يراها قبل اسبوعين، فالجميع في انذار يبقون ساعات طويلة مرابطين لحراسة مختلف المواقع. ظل الجندي يتحدث لنا عن عدم قناعته بفائدة هذه الاجراءات: لقد امطرنا المسلحون باثني عشر صاروخا خلال احتفالنا بعيد الجيش الاخير، فكم صاروخا في وسع الارهابيين ان يطلقوا على اماكن انعقاد القمة؟الموضوع لا يتعلق بنقاط التفتيش، ولن تكون هناك جدوى الا اذا كان لدينا استخبارات حقيقية. الجندي هذا لم يكن يشعر بأن هناك معلومات استخبارية محددة تعينه على تحريك زناده بالطريقة الصحيحة، رغم انه تحت امرة القائد العام للقوات المسلحة، اكثر من 10 اجهزة معلومات انفقت عليها بغداد وواشنطن المليارات طيلة 9 أعوام.والامر لم يقتصر على الجند. اذ في مكان ما من بغداد لمحنا مئات الرجال وهم يرتدون بدلات رسمية بلا ربطة عنق ويتجمهرون على غير هدى في احدى الحدائق. ومن سحناتهم ولهجاتهم كان واضحا انهم قادمون من مدن متباعدة وينتظرون احدا يهرع لاستضافتهم. سألت احدهم اثناء ارتشاف شاي: هل انتم في نزهة خلال هذا التوقيت الصعب؟ نظر إلي ساخرا وقال: نحن استخبارات تابعة لوزارة كذا، جاءوا بنا الى بغداد لنشارك في حماية القمة. جئنا من كل المحافظات، وسننتشر بملابس مدنية في شوارع لا نعرفها، وضمن اجراءات صعبة وغير مفهومة. علينا ان نضبط حركة حياة مشلولة بالاساس.الحكومات يجري اختبارها اثناء الازمات. وطريقة ادارة ازمة انعقاد القمة تجعلنا نفقد الثقة كثيرا، فكل الكبائر والصغائر التي مرت علينا وسيول الدماء التي سالت، لم تتح للحكومة خبرة ودراية كافيتين للتعامل مع الاحداث المهمة. الاخطاء تتكرر، والامكانات لا يجري استغلالها بطريقة كافية. والانكى ان الجند وعناصر الامن منهكون، ومن المؤسف انهم غير مقتنعين بما يجري. من اقنع السلطان بهذه الخطط يا ترى؟ لماذا حولوا بغداد الى شيء بمثابة مدينة ضربها وباء وبيل؟