ثائر صالح يحتل الموسيقي الألماني يوهان سباستيان باخ موقعاً مميزاً في الموسيقى الأوروبية، فهو المثال الأعلى للكثير من الموسيقيين، وكان تأثيره على الموسيقى عظيماً. خصّه الموسيقيون في العصر الرومانتيكي، بعد بيتهوفن، باهتمام كبير وصاحب إعادة اكتشاف وتقديم أعماله اهتمام شديد بها وصل حدّ الهوس.
 ولم يكن هذا الاهتمام من دون سبب، فأعماله تمثل قمة الكمال الموسيقي في كل جوانبه، بغض النظر عن مقدار تذوق المستمع لها. يعتقد الكثيرون كذلك أن سبب عظمته هو أن أغلب أعماله مفرطة في جديتها وتعقيدها الموسيقي، جرياً على التقليد الألماني في الموسيقى الذي ينظر إلى الموسيقى نظرة جادة، ليس كما ينظر إليها اللاتينيون كالطليان والفرنسيين. لكن هذه الجدية الزائدة بالذات هي أحد المآخذ عليه من قبل الذين لا تعجبهم موسيقاه، إذ يرون أنها موسيقى بحتة لا يمكن التمتع بها.من جانبي أرى أن سبب أهمية باخ وجمال أعماله يكمنان بالدرجة الاولى في صدق هذه الأعمال وانبعاثها من أعماق مؤلفها وتواضعه. وهذه صفة نادرة في التأليف الموسيقي، لأن الموسيقى الجميلة ليست ترتيب النغمات وفق القواعد الموسيقية فحسب، بل هي تلك التي تأتي بصدق وتواضع يمس مشاعر المتلقي ويهزها.كان معاصرو باخ يعتبرونه عازفاً جيداً على الاورغن، وفي حياته لم تصل شهرته لشهرة بعض معاصريه، مثل صديقه غيورغ تلمان الذي ألّف أكثر من 3000 عمل موسيقي متنوع. باخ كان يخدم الكنيسة التي عمل بها في لايبتسغ ويؤلف الأعمال الدينية بكل تواضع وإيمان، فترك لنا أعمالاَ من أجمل ما كتب من تراث ديني موسيقي.حاول الموسيقيون اللاحقون محاكاة أعمال باخ، وتعلموا منها الكثير. نلمس أصداء موسيقاه في القليل من الأعمال المتأخرة لموتسارت، وفي أعمال مندلسون وبرامز وغيرهم. وقام بعضهم بإعادة توزيع بعض الأعمال، ونجح القليل منهم في تجاوز التقليد إلى إضفاء لمساتهم الشخصية على هذه الأعمال. من أشهر هذه المحاولات مقطوعة شاكون من المتتابعة رقم 1004 للكمان المنفرد، وقد أعاد توزيعها يوهانس برامز لليد اليسرى على البيانو توزيعاً نلمس فيه شخصية برامز وأجواء الموسيقى الرومانتيكية. أما التوزيع الآخر الذي قام به الموسيقي الايطالي بوزوني فهو ليس بهذا العمق والروحية، بل كان متكلفاً واستعراضياً.