TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > تلويحة المدى: القبيلة والثورة

تلويحة المدى: القبيلة والثورة

نشر في: 23 مارس, 2012: 06:30 م

 شاكر لعيبيكتب بعض المثقفين العرب عن التحوّلات الطارئة على معنى "الثورة" في العالم. أمر واحد كان يتوجب عليه عدم غض الطرف عنه، بل كان من المستحسن مساءلته: كيف يستوي أن أنظمة حكم تستند إلى وعي القبيلة تصير دافعاً ومحركاً للثورات الشعبية الحالية؟ وهذا يحدث في بلدان ليست بلدانها.
 ما هو وعي القبيلة السياسي إذا لم يكن الحكم الوراثي والانسلاخ بل التفوّق على "العامة" وتجاوز الإرادة العامة لصالح النخبة الحاكمة باسم الموروث العشائري والسيادة القادمة من مرجعيات سوسيولوجية ودينية لا تخضع دائما للعقل الحديث. لكن ما هي القبيلة العربية؟ تقوم القبيلة، كما نعلم، على النسب السلاليّ، وتختار رئيساً رفيع الخُلُق ليدير شؤونها. تحلُّ القبيلة محل الدولة العربية الضعيفة حديثة النشوء في بعض الفترات، وهنا يمكن تقييم دورها بالإيجابي إلى حين. لكن عندما تكون القبيلة هي الدولة الحديثة، تتصاعد إشكاليات جوهرية، يقف على رأسها، من الناحية النظرية أقلها، سيادة قبيلة واحدة دون سواها على مقدرات الدولة، والتجاهل النسبي للقبائل الأخرى التي تشكِّل المجتمعات العشائرية العربية وبعضها من القبائل الضاربة في المجد والعراقة والسؤدد. ولكي لا نقع في التنظير البارد لنقل بأن كاتب هذا السطور على دراية نسبية بمعنى القبيلة لأنه يعود إلى قبيلة عربية معروفة، بني تميم، ورأى بأم عينه طريقة اشتغالها في صلب عائلته، لكنه لم ير بعد تحولات سياسية ذات شأن بموقفها من الثورة. تتعقد المشكلة عندما تلعب القبيلة، من مكان جغرافي بعيد، دوراً سياسياً تحريضياً يغترف من الموروث التاريخي العالمي لمفهوم "الثورة": العودة إلى الإرادة الشعبية وترويج الديمقراطية وإلغاء قبضة الحزب الواحد على مفاصل الدولة والدعوة إلى حقوق الإنسان والدفاع عن منظمات المجتمع المدني والحريات الشخصية بما في ذلك حرية المرأة. للقبيلة من هذه القضايا وجهات نظر مختلفة إذا لم تكن مناهضة. إن مفهوم الثورة الحديث وحريات الإنسان الأساسية في تعارض واضح مع مفاهيم القبيلة الموصوفة القائمة على تأبيد القيم وثباتها، أو أقلها إقامة وعي "توليفي" أو "تلفيقيّ" بين قيم الماضي التي تؤمن بها جوهرياً وقيم العصر الحديث التي ارتابت منها غالباً.هنا يقع التفارق الشديد: ثمة أصلاً تنابذ سياسي بين القبيلة والثورة، لا يمكن إصلاحه إلا بثمن مواقف انتقائية، تختار مرحلياً ما يلائمها وترفض ما لا يلائمها في فترة أخرى، بحيث يمكن عكس المواقف كلية في شروط أخرى، ليس من باب أن السياسة مصالح متبدِّلة لكن من زاوية الإصرار على بقائها فاعلة في جميع الظروف. إنها تجد صلات وروابط مهلهلة بين معتقداتها الراسخة والوعي السياسي الحديث، كأن تعتبر الديمقراطية شأنا من شؤون شورى السلف الصالح، وتجد الحكمة غير المُدْرَكة بالعقول البشرية المحدودة وقد تضمَّنتها بعض الإحكام (التي ليست كثيرة القبول في المجتمعات المعاصرة)، أو أنها تخترع "حيلا شرعية" للانسجام مع هذه الشروط. إنها انتقائية على أوسع نطاق عندما يتعلق الأمر بالشأن السياسي والسيوسيولوجي المعاصر الذي لا مندوحة من الالتفات إليه. من الواضح أن هذا كله لا يتعلق بالإيمان الديني الذي هو شأن شخصي مُحْترَم لا نناقشه هنا.عندما يختلط هذا الوعي القبليّ المخلوط بميتافيزيقيا الوجود بالسياسة، فـأنه قد ينسى حتى بعض المبادئ الأساسية الجوهرية المتفق عليها، وبدلاً من "التسامح" قد يدعو إلى تكفير خصوم الفكر، وخلافاً "للتقارب" بين الممل والنحل قد يقف صفاً واحداً، حقاً وباطلاً، مع ملةٍ واحدةٍ وحيدة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

منظمة العفو تُطالب بتحقيق دولي لتقصي حقائق الساحل السوري

المنخفض الجوي يودع العراق

انتشار أمني مكثف أمام السفارة السورية في منطقة المنصور غربي بغداد

نيجيرفان بارزاني يبحث مع الكاظمي حوار أربيل وبغداد لحل المشاكل العالقة

ترامب يوجه تحذيرا للعراق بشأن المختطفة الإسرائيلية

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram