ترجمة : عباس المفرجيحتى قبل أن يمتلك الجميع كاميرا ديجيتال ، كان التقاط الصور براعة عالمية عصرية . لكن اكثر من ذلك ، كانت لسنوات طويلة براعة عالمية أن تكون مصوَّرا . لبضعة عقود الآن ، بات الجميع يعرفون كيف يضعون وجها على لعبتهم وينتظرون الطقطقة . الفوتوغرافية الهولندية رينيكه دايكسترا أصبحت شهيرة باعتمادها ذلك نقطة انطلاقها ،
ثم صارت تتساءل ، ماذا يحدث عندما لا يمكن أن نتخذ وضعة التصوير . الجواب : لحظة الحقيقة . شيء واحد تتعلمه من المعرض الإستعادي لدايكسترا ، المقام حاليا في متحف الفن الحديث في سان فرانسيسكو ، وسينتقل في حزيران الى متحف سلومون آر غوغنهايم في نيويورك ، وهو انه لا يهم كثيرا كم مرّة تحاول أن تضع قناعا اجتماعيا ، فهو ما يلبث أن ينزلق .بعد تخرجها من مدرسة أمستردام للفنون عام 1986 ، عملت دايكسترا ، التي تبلغ الثانية والخمسين من العمر ، مصورة بورتريهات في مجلة أعمال هولندية . كان عملا محبطا أن تلتقط صوراً لمدراء مؤسسات ورجال أعال كانوا يعرفون جيدا كيف يبقون متأهبين . ( لماذا ، برأيك ، يسمّون هؤلاء الأشخاص "البذلات"؟) في النهاية ، تحوّلت الى مصورة حرّة اكثر ، مع عين لأفكار مستوحاة قد تبدو متناقضة : أوغست ساندر ، الذي قام بعملية جرد فوتوغرافية لشرائح نموذجية من المجتمع الألماني في سنوات العشرينات والثلاثينات ؛ دايان آربوس ، التي لم يكن لها اهتمام بأي شيء نموذجي ، بل ميل الى المبعدين اجتماعيا . ما يهم دايكسترا كان كيف يجعلك الفوتوغرافيون ترى أفرادا خاصّين داخل فئات عامة ــ معلم وفلاح ، بالنسبة لساندر ، قزم ودراغ كْويين [ رجل يرتدي ملابس نساء ] ، بالنسبة لآربوس .بزمن قياسي صار لدايكسترا جمهورا عالميا . في أوائل التسعينات ، وفي سبيل مشروعها ، الذي يعَّد اكتشافاً هاماً ، سعت بعدستها وراء المراهقين على الشواطئ في الولايات المتحدة وأوروبا ليقفوا أمامها بمواجهة خلفية عارية لسماء ، بحر وشاطئ . إذا كانت جلسات التصوير طويلة ، كان الصبية يأخذون وقتهم . بعض منهم ، خصوصا الأميركيين ، يحاولون ببسالة ــ وبشكل عام يقصرون عن ذلك ــ وضعة الإغراء ورباطة الجأش التي يظنون أن عليهم اتخاذها . أما مراهقو أوروبا الشرقية ، الذين ترعرعوا في مجتمعات شيوعية محرومة من الإعلام الغربي ، فلا يعرفون تماما ما يجب عليهم فعله أمام الكاميرا . لكن بالنسبة لهم جميعا ، من خلال خراقتهم إنما تتبدى قوتهم الحقيقية . فتاة بولندية بتعبير متردد انسجمت بلا وعي مع وضعة فينوس لبوتيتشيلي . ما يدعو للاستغراب ، هذا هو ما بدت عليه أيضا فتاة تتصنّع الفتنة في ساوث كارولاينا . صبي على الشاطئ في أوكرانيا ، نحيل الذراعين والساقين ، يغدو رمزا تاما للحيوان البشري البشع .بأمل أن تقبض بعدستها على الناس وهم محرومون من دفاعاتهم ، بدأت دايكسترا بتصويرهم عقب حدث ما منهك . جعلت النساء يأخذن وضعة التصوير بعد الولادة مباشرة ، غالبا وهنّ واقفات عرايا بينما يحملن موالديهنّ الجدد . واحدة من هذه النساء تواجه العدسة بتعبير مدوَّخ قليلا بينما ينساب خيطا رقيقا من الدم على ساقها . التقطت دايكسترا صورهنّ في البيوت ، حيث اغلب النساء الهولنديات يلدن ، لكن في مواجهة جدران عارية ، لمسة الحياة المنزلية الوحيدة فيها هي مِقبَس التيار الكهربائي. بحلول عام 1994 ، بدأت تعمل أيضا بورتريهات للبرتغاليين الفوركادوس ــ مصارعو الثيران الهواة الذين يخضعون الثيران في الملعب بأيديهم المجرّدة من أي سلاح . صوَّرتهم بعد عودتهم مباشرة من المصارعة ، ينزفون دما ويجرّون أقدامهم ومخدشين ، قد يكون هؤلاء الرجال من التعب الشديد الى حد أنهم لا يبدون أي سيماء زائفة . لكن مع صور دايكسترا عن الأمهات الجدد ، تكمن القوة الخام في هذه البورتريهات في الطريقة التي يتناقض فيها الواقع ــ ضمادة الشاش الناقصة على نحو ميئوس منه ، الخيوط المنسلّة للجاكيت المطرّز ــ مع العُرف المصوّر بطريقة رومانتيكية . بتجميع الكثير جدا من الصور ، فإن المعرض الإستعادي لدايكسترا، الذي أقيم برعاية مشتركة بين جنيفر بلسنغ من متحف غوغنهايم وساندرا أس فيليب من متحف سان فرانسيسكو للفن الحديث ، يكشف أيضا عن حدود فن التصوير كطريق داخل روح الشخص الآخر . في 1994 ، التقت دايكسترا فتاة بوسنية تبلغ من العمر ست سنوات في مركز هولندي للاجئين ، فقامت بتصويرها دوريا منذ ذلك الحين . تعرض سلسلة الميريسا التغيرات التي حدثت في مظهرها وسلوكها اللذين يحددان نشوئها كامرأة ناضجة وأم ، مع ذلك تبقى شخصا لا يمكن الحكم عليها . تميل الفوتوغرافية أكثر الى التصوير في الخارج ، مثل المتنزه في أمستردام ، حيث صوّرت صبيا مهزولا جالسا على سياج خشبي على بركة ، لأنها هناك يمكنها ان تشبع رغباتها في الكشف عن الحياة الداخلية لمواضيعها. تماما مثل الماء والسماء اللذين يطوّقان مواضيعها من مرتادي شاطئ البحر ، فإن محيط الصبي المظلل يجعل الذهن مشغولا بالتوفيق بين هذا المحيط وهذا الصبي العصري القبيح .في منتصف التسعينات ومن ثم ثانية في عام 2009 ، صوّرت دايكسترا الفتية الذين إلتقتهم في نوادي الرقص في ليفربول و أمستردام ، مثل الفتاة الشقرا البالغة الطول التي تدعى ايمي ، والتي لها جسد نحيل لعذراء متأنقة
رينيكه دايكسترا تجعل من البشع ساميا
نشر في: 23 مارس, 2012: 06:33 م