ثامر الهيمصبشرنا الدكتور هنري كيسنجر بأن هذا العام سيكون عام الحرب العالمية الثالثة وهذا لا يأتي من فراغ، إذ يبدو أن المعلومة مازالت محتكرة ولذلك يتم تداولها وتسويقها بعد إخراجها في دهاليز السياسة الى البازار الدولي، ألم تكن هذه مفاجأة من شخص ليس صانعا للأحداث بشكل مباشر برغم أنه مستشار لكثير من المؤسسات المهنية؟ الا يعني أن لعبة الأمم مازالت قائمة برغم مودة الليبرالية الجديدة والعولمة ونفوذ عمليات الاتصال المذهلة؟ .
لذلك مهما وصلت آلية الانفتاحات مازالت الفوانيس السحرية وخواتم العفاريت بيد الطبقة الخارقة التي يملك 1% من قمتها ما يملكه ملياران ونصف من البشر. وبرغم شفافيات ويكيليكس. هذه الخريطة الكونية تريد أن تبقى وتزيد بكل وسيلة ولو تدمر العالم فلا داعي أن تشرق الشمس بعدهم. وهذه طبيعة الأمور في التاريخ فإنه مثل تاريخ العالم كما يصفه باشلار بأنه تاريخ الأخطاء. ويبدو أن الأخطاء هي في صيرورة دائمة برغم السماء والأرض الا ما رحم ربي في الإرادات الخيرة، فقد أضاف العصر آليات الاتصال الجديدة وهذه سلاح ذو حدين فالحد الخير يستطيع من خلال أجهزة الاستطلاع والاستفتاء وقياس الرأي العام ان يقول لنا أي الاتجاهات العامة ترنو ، ولاشك منطقيا أن تتجه صوب السلم وحقوق الإنسان . وهذه لإزالة معجزة التاريخ التي لم تحققها جمهوريات أفلاطون وماركس وادم سمث مرورا بالأنبياء والمصلحين العظام . ولكن حتى الآن يبدو أن البنية التحتية غير كاملة فما زالت الأرض مليئة بالتضاريس من خلال التفاوت الطبقي المتفاقم ومن رديفه الاستبداد السياسي دينيا أو اشتراكيا أو التفافا ديمقراطيا . فبعد انهيار المنظومة الاشتراكية أو حتى قبل انهيارها ازدهرت تجارة البشر وأعضائه والمخدرات وتجارة الأسلحة والمافيات تعملقت ولم تعد ايطالية أو امريكية لاتينية بل هناك مافيات تنشر كالفطر في المجموعة السوفيتية السابقة وجنوب شرق آسيا . وكأنها تواكب التقدم العلمي بقفزاته والاستبداد بتقمصاته والاقتصاد باستقطاباته بتغول شركات العولمة العابرة للحدود . فبرغم تفاؤل منظمات الخضر والهيومن رايتس وتكش وأطباء بلا حدود والشرعات الدولية الجديدة يبدو أنها لحد الان دفاعية أمام زخم تغول الدولة الحديثة حيث أصبحت كل دولة تقربيا ساحة دولية صغيرة وبنفس قواعد اللعبة . إذ التفاوت الطبقي المتفاقم المتلون وتفرد الأشخاص والنخب في إدارة العمل السياسي الذي يديره إخطبوط نادي الواحد بالمئة فهؤلاء بالنسبة لهم الشعوب كم اقتصادي فيه الصالح وغير الصالح ولديهم الأجهزة الكافية للفرز وبإمكان من تسول له نفسه بالانشقاق فيلتحق بنعوم شومسكي وأمثاله من يساريي العالم وأهل الفكر الإنساني غرباء العصر . لاشك أن قواعد اللعبة ليست سهلة مطلقا حيث أكثر الاوراق بيد الطبقة المذكورة وكوادرها وهي فعلا الطبقة الحارقة كما يسميها مؤلف الكتاب (دايفيد ج . روثكوبف) حيث خرقت كل ميادين الحياة (علم، دين، اقتصاد، أعراف ، تقاليد) لتقول لنا أنني انا الحوتة التي تبلع قمركم اذا أسأتم الأدب .لذا أصبحت الآن لدينا ايقونة هذه الشريحة ولها ساقان هما التفاوت الطبقي الذي تستمد منه قوتها التي تشغل ساق السياسة بالاتجاه المطلوب ولا حياة وصمودا لهذه الايقونة بدون مدن الصفيح التي هي نفاياتها والجريمة ذراعها وتجارة البشر مظهرها الأكثر إبداعا لأنها تحتاج قطع غيار بشرية لمواصلة حياة تستحق أن تعاش اذ كل يوم يمر هو سعادة وغبطة وسرور واشباح غرور وهذا الايقاع من يضبطه غير السياسي الذي يختصر كل التمثيل الطبقي والاجتماعي بأهل الحلّ والعقد المعدودين في الديمقراطية أو بالقائد الضرورة الذي لم تلده ولادة أو بكاهن يحمل سوط الله ومفاتيح جنانه. إذن هناك ترابط بآلاف الحبال السرية بين تركز الثروة بيد قليلة جداً تتقلص هذه المصاهرة ولادة لتوازن الرعب سوط النخبة الكسنجرية وإفرازاتها من مدن الصفيح والفقر المدقع والجريمة المنظمة كمصادر لها وسبب استمرارها بتجارة المخدرات والأسلحة المنافسة لتجارة النفط ورديفتها. مما يعني أن الشورى العامة والإنفاق الاعم هما الضد النوعي لتركز وتزاوج المال والسلطة والشورى العامة تسخر الإنفاق العام كون إجماعها هو لصالح الإنفاق العام ومعياره الوحيد اجتياز خط الفقر الذي ترسمه يوميا المنظمات الإنسانية والشورى العامة مجرد هيئة عامة تمارس سلطتها عبر الأجهزة الحديثة استفتاء وقياس رأي عام ...الخ في وضع سياسات الإنفاق لشطب كل مظاهر وتراكمات التاريخ الخطأ الذي اعتبر قدرا إلهيا في حين هو مجرد استجابة للطاغوت الذي تزوج السلطة وأنجب المأساة المزمنة في معصية الخالق أما الآليات فما أكثرها وهذه ليست يوتوبيا بل مشروعا على الأقل يحد من تغول أعمام كيسجر وأخواله الذين يدفعوننا للهاوية كمواد منتهية الصلاحية.
الشورىالعامة والإنفاق في منطق العصر
نشر في: 23 مارس, 2012: 08:00 م