TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > كلمات عارية: الثـــأر مـن الشــعـب

كلمات عارية: الثـــأر مـن الشــعـب

نشر في: 23 مارس, 2012: 09:45 م

 شاكر الأنباري هناك حس بالانتقام من العراقيين لا يعرف أحد مصدره، ولكنه يضرب في الاتجاهات كافة. كل يوم مذبحة ترتكب بحق الأبرياء، سيارات مفخخة، كواتم صوت، عبوات ناسفة، موت يتنقل من شارع إلى آخر ومن مدينة إلى أخرى، يفاجئ الناس في ساعات لا يتوقعونها وفي أمكنة لا تخطر على البال، قرب مقهى شعبي،
وسط شارع مزدحم بالنسوة، في ساحة تكتظ بالسيارات التي تنقل الموظفين إلى عملهم، فنون قتل وإبادة لا تخطر حتى للشيطان ذاته. في الشارع يذل المواطن لدى كل نقطة تفتيش، وتقاطع، وساحة، وتهطل عليه أبواق سيارات المسؤولين كما لو كانت سياطا من نار، ليبادره مكبر صوت يطلب منه الانزياح عن الطريق كي يمر مولانا، سيدنا الخليفة، وأميرنا عضو المجلس، أو قائد الفرقة، أو وزير الوزارة الفاشلة بكل المقاييس ومنها مقياس ريختر. سيمفونية القدر العاوية حولنا منذ سنوات لا تحصى. الانتقام والثأر في أروقة الدوائر الرسمية تتبدى بالروتين القاتل، والرشاوى المتناثرة عند كل باب وكل موظف، والمحسوبيات، والاستهانة بكرامة الإنسان كونه مراجعا ليس إلا، يترك عمله، ومتجره، ووقته، كي يلاحق توقيعا أو طمغة عصملية ظلت حية منذ مدحت باشا حتى آخر الزمن المكتوب من تاريخنا المعاصر. ويستطيع المراجع رؤية الحقد، والاحتقار، في عيون الموظفين دون أن يرف لهم جفن، أما إذا جلس في بيته فسرعان ما تحل عليه لعنة الدنيا، والآخرة، من الشاشة الصغيرة التي يتابعها، وهي تروي له ندوات وحوارات بين سياسيين، ومعلقين، ومحللين جهابذة اغلبهم امتهن الكذب على المشاهدين، وتلفيق الذرائع، وتشويه الحقائق. وفوق هذا وذاك خلط الأوراق بوقاحة لم تشف غليلها أجساد الضحايا المتناثرة عقب كل انفجار وعبوة وسطو مسلح. المحللون ذاتهم، والخبراء ذاتهم، وأعضاء البرلمان ذاتهم، يعطون في يوم ثان ذرائع مختلفة، بل ومتناقضة عن التي قالوها قبل يوم، تبعا لأهواء أحزابهم وائتلافاتهم وطوائفهم. الحقيقة ليست ما يهم هؤلاء بل كيفية تسويغ الكذب، والدجل، وتبرير السياسات الفاشلة، والتصريحات الفجة، والمبالغات التي يكذبها الواقع. ولكن كل ذلك سرعان ما يذهب به انتقام الكهرباء الأكبر وقد حولت حياة العراقيين إلى سخام، وليل طويل مثل جبل لا يزول. ولسان الحال يقول: ألا يا أيها الليل الطويل ألا انجلي...إلى آخر القصيدة الجاهلية. هناك من يريد الثأر من هذا الشعب بكل طوائفه، وقومياته، وأديانه، وهذا الثأري غير مفهوم لأنه يضرب يمينا وشمالا مثل شبح، دون أن يسفر عن هويته، وكأنه يروم إزالة قرون من حضارة أنتجها هذا الشعب ذات يوم. ينتقم من فلاسفته، ومذاهبه، وكتبه، وتراثه، وتاريخه،  ومستقبله، وحاضره. فلا الدم يرويه، ولا يشبعه الغبار الذي ضرب ربوع الوطن. ولا تروي عطشه بقايا دجلة والفرات الجافين. هذا المنتقم، الثأري، يصعب الوصول إليه، وليس سوى فئة قليلة تمكنت من إزاحة الستار عن وجهه. الفئة القليلة كانت مثل الصوفيين الذين تكشّف لهم الخالق في لحظة تجل. لحظة التجلي التي يمكن فيها معرفة هذا الشبح المنتقم هي اللحظة التي يخلع فيها الإنسان ثوب طائفته وقوميته ودينه، لكي يكون إنسانيا خالصا، عندها يعرف جيدا وجوه هؤلاء. الوجوه التي تشبه الروبوتات، برمجت لكي تنتقم، وتذيق الفرد منا صنوف العذاب.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

جلسة "القوانين الجدلية" تحت مطرقة الاتحادية.. نواب "غاضبون": لم يكن هناك تصويت!

القانونية النيابية تكشف عن الفئات غير مشمولة بتعديل قانون العفو العام

نيمار يطلب الرحيل عن الهلال السعودي

إنهاء تكليف رئيس هيئة الكمارك (وثيقة)

الخنجر: سنعيد نازحي جرف الصخر والعوجة

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram