احمد المهناالدبلوماسية العراقية عموما، ووزيرها هوشيار زيباري خصوصا، تستحق الإشادة لجهودها الكبيرة في عقد قمة بغداد. ومعها بالطبع الجهات الحكومية الأخرى المساندة. وكانت هذه قمة من أجل العراق، أكثر منها قمة من أجل العرب.
فهي أولا تذكرة بأن العراق التعددي عربي في غالبيته. وهذه حقيقة كادت أن تكون منسية، بدءا من قمة بغداد عام 1990 التي كانت استهلالا للعزلة العراقية عن المحيط العربي، وصولا الى ذروة العزلة مع اشتداد النفوذ الإيراني في العراق عقب الغزو الأميركي.وهي ثانيا بداية طيبة لتطبيع العلاقات العراقية العربية، وانفتاح الجانبين على بعضهما. وهذا التطبيع ضرورة على المستويات كافة، لأن آثار الحصار الدولي لم تنقطع عن المستويات كافة. وهي ثالثا بداية نهاية الفكرة السائدة التي تحمل "دول الجوار" مسؤولية مشاكل العراق. وهذه الفكرة مع ان لها اساسا، ولكن الحقيقة هي أن الفاشلين وحدهم يحملون غيرهم مسؤولية فشلهم.أما أساس هذه الفكرة فهو استياء الإقليم كله - عدا الكويت - ومعظم دول العالم، بما فيه الأغلبية الأوروبية، من فكرة الرئيس الاميركي جورج بوش الإبن، بنشر الديمقراطية في الشرق الأوسط بالقوة، والتي جاء الغزو الأميركي للعراق تنفيذا لها. حينها جن جنون المنطقة، وبدأت حملتها الطاحنة ضد القوات الأميركية على أرض العراق.وانتصرت الحملة الإقليمية، بقيادة ايران وسوريا، على فكرة بوش، وتراجعت عنها أميركا، وخلصنا. انسحبت دول الجوار من المعركة، سوى سوريا لحين امتداد الربيع العربي اليها، وايران الوحيدة الباقية على سياسة جعل العراق "قدرا يغلي" تحت سيطرتها.والمفارقة العجيبة هي أن فكرة دول الجوار هذه غالبا ما تعني إتهام دول الخليج، السعودية خصوصا، وتعفي "بطلتي المقاومة"، سوريا وايران، "أقرب جارين" الى حكومة بغداد!والقمة رابعا تمنح حكومة العراق فرصا ثمينة للإستقلالية عن ايران، والبعد عن بيت النار المغذي للطائفية والصراعات الإقليمية والدولية. والعراق، بطبيعة ثقافته الإجتماعية، شديد التمسك بالإستقلالية. الإمام علي وصفه بأنه "الفرقة التي لم تطع". وتابعه غريمه معاوية بقوله ان كل عراقي شيعة نفسه: أي كل عراقي حزب وحده بلغة العصر.ان هذه النزعة "الإستقلالية" يمكن أن تكون بناءة اذا وجهت نحو خدمة المصالح العليا للبلاد، وتكيفت عند الحكام والمحكومين مع طاعة القانون - طبعا عندما يوجد!وخامسا فإن القمة، وأشباهها من المناسبات، يمكن ان تمرن ساسة العراق على توسيع آفاقهم، وعلى تقاليد الإحترام، وخصوصا منها السماع للناس والإحساس بهم، كما دعا خلال القمة بان كي مون. وهو أمر كررت الحكومة العراقية الفشل فيه ايام القمة، عندما حبست أغلبية أهالي بغداد في بيوتهم، من دون استئذان منهم، ولا اعتذار، ولا موبايل. وهو ما أشعر البغداديين بأنها قمة حكومة لا قمة دولة.وأخيرا فإن صورة العراق من خلال القمة بدت "حداثية". وهي انعكاس لوزارة الخارجية التي لكوادرها وأعمالها ودوائرها مثل هذه الصورة. ولكن ثمة "شائبة" صغيرة لحقتها تمثلت بجملة غاضبة لزيباري في أحد مؤتمرات القمة، وهي إن "الإعلام عمره ما حل مشكلة". شغلة الإعلام هي اكتشاف المشاكل في المقام الأول. أما الحلول فهي شغلة الحكومة في المقام الأول.عدا ذلك لا يسعنا سوى أن نقول لزيباري: مبروك معالي الوزير!
أحاديث شفوية:قمة العراق

نشر في: 30 مارس, 2012: 10:13 م