ترجمة وإعداد: ابتسام عبد الله
* يتحدث السكرتير العام السابق للأمم المتحدة عن مخاوفه إزاء سوريا وعن تألق توني بلير وكيف أن بعض الناس يتصورونه (مورغان فريمان) الممثل الأميركي المعروف.
* عندما يكون المرء سكرتيراً عاماً للأمم المتحدة لـ10 أعوام، فليس من السهل أن ينساك الناس، وكوفي عنان بعد مغادرة مكتبه الرسمي للمرة الأخيرة، طلب من صديق له، استخدام منزله فترة من الزمن، وهكذا ذهب وزوجته إلى منزل صديقه الايطالي المخفي في الغابات بجوار بحيرة كومو، وعاش هناك ثمانية أسابيع من العزلة السعيدة، بلا تلفزيون أو (راديو) أو أوراق، وأصبح عنان سعيداً في النهاية، وتخلص من متاعب العالم، لكنه بعد أسبوعين بدأ يحس بالضجر.
(تتضمن المقابلة، مقتطفات في كتاب عنان: "حياة في الحرب والسلام")
* كانا في مخزن ما، وما أن مضى عليهما 5 دقائق حتى احس بالاضطراب، فقد شاهد مجموعة من الرجال يتجمعون في إحدى الزوايا يحدقون فيه، قال لزوجته: "أوه.. لا.. لقد قررنا البقاء هنا ستة أسابيع، وها نحن بعد أسبوعين، قد كشفنا عن أنفسنا، فما العمل؟"..
واقترب احد الرجال منهما ودفع اليه ورقة وقلماً قائلاً: "مورغان فريمان، هل بالامكان الحصول على توقيعك؟ وابتسم عنان بطريقة هوليودية، ثم وقع، (مورغان فريمان) وغادر المكان.
ولهذا السبب عندما يقول الناس عني: "إنه رجل لا يحتاج إلى تعريف، أقول لهم بسرعة لا تتسرعوا وكونوا على حذر".
وعندما تحدث عما حدث له في ذلك المخزن، يخطر على البال، كيف ان أحد السيّاح لم يتعرف الى الشخص الذي تولى منصب السكرتير العام، بعده، إن لعنان مظهرا وحضور نجم سينما، هادئ ودمث، ولكنه بعد مغادرته الأمم المتحدة بخمسة أعوام ما يزال يمتلك حضوراً طاغياً في عالم الأحداث أكثر من بان كي مون.
ويبتسم عنان قائلاً: "اعتقدت ان مرحلة التقاعد ستكون أسهل، ولكني اكتشف ان ايضاً علي أن أفعل ما يقوله مانديلا وهو التقاعد من التقاعد ذات يوم".
لقد تم هذا اللقاء مع عنان بعد بضعة أسابيع من تخليه عن مهمة المبعوث الخاص للأمم المتحدة في سوريا، ورعبه تجاه هذه المجزرة للأمم المتحدة ومن الواضح جداً أن اختياره التخلي عن تلك المهمة يعود إلى عدم وجود خيار آخر أمامه.
وكان السؤال الأول الذي جال بالخاطر في هذه المقابلة هو (سبب تخليه عن المهمة؟).. فأجاب "أول شيء قلته لمجلس الأمن كان: إنها مهمة شبه مستحيلة، سأقوم بمحاولة، ولن أوافق عليها إلا إن حصلت على دعمكم الموحد القوي، وذلك لأن المرء يحتاج إلى ذلك الدعم من أجل الضغط على كافة الجهات والأطراف". الاتحاد مفتاح كونوا متحدين، ولكن مجلس الأمن بقي منقسماً وكنتيجة لذلك، على السوريين دفع الثمن بشكل متواصل، انها قضية أناس أبرياء وجدوا أنفسهم في الوسط".
إن قضية سوريا، هو الموضوع الذي أضيف الى كتاب كوفي عنان الجديد الذي صدر مؤخراً بعنوان (حياة في الحرب والسلام).. الذي يسرد فيه قصة الـ 50 عاماً في الأمم المتحدة، وانبثاق دور الأمم المتحدة في حفظ السلام، انه دور مرتبط بالتدخل الإنساني ومستقبل سوريا مرتبط بنزوة مجلس الأمن.
وحتى أعوام التسعينات، كانت جهود مجلس الأمن في حفظ السلام محدودة، إذ كانت معظم المشاكل يتم حلّها بين القوتين الكبرتين، وحيث أكد العداء بينهما، انقسام مجلس الأمن، وإناطة عدد محدود من المهمات به.
وما بين 1987 و1992، كانت هناك مهمة واحدة، ضمت أكثر من 100 من المراقبين، يواجهون شيئاً من الخطورة، وفي عام 1994، انتشر 80،000 من قوات الأمم المتحدة من مناطق حرب خطرة جداً، وتولى كوفي عنان مهمة حفظ السلام في 1993، ويقدم كتابه تقريراً شاملاً ومذهلاً عن التحديات الجديدة التي تواجه مجلس الأمن - الذي لم يعد مشلولا بسبب الانقسام، ووجد نفسه مسؤولاً عن متطلبات واحتياجات العالم الى تحقيق شيء ما لكل مشاكل العالم.
ويمر الزمن، وعندما يواجه عدد من الدول أو الحكومات مشكلة لا حل لها، وهناك ضغط عليهم من أجل فعل أي شيء، تحوّل تلك المشكلة الى الأمم المتحدة، ليرتاحوا، ولكن الأمم المتحدة ليست لديها المصادر الكافية للتعامل مع المشكلة، ولذلك عليها الركض نحو المشاكل والفشل، وبعدئذ يلقى اللوم عليهما.
إن الرغبة الجديدة للتدخل الإنساني كانت في مرحلة شهر العسل في 1993، عندما تدخلت قوات الأمم المتحدة في الصومال إلى ما صرحت به إزاءه مادلين أولبرايت - وزيرة الخارجية الأميركية آنذاك بقولها "إنها مغامرة كانت بلا هدف، إن لم يكن على الأقل، استعادة بلد بكامله". وبعد أن اسقط المتمردين طائرتي هليكوبتر اميركيتين، انسحب الاميركان، وانهارت مهمة الأمم المتحدة. ونتيجة ذلك الفشل، كما يشرح عنان، سبب وقوف الأمم المتحدة جانباً وراقبت المذبحة التي حصلت في رواندا في العام التالي.
وعندما صحا العالم على تلك المذبحة، ألقي اللوم على قوات حفظ السلام في الأمم المتحدة.
أما عن كوزوفو في عام 1999، فإن الدعم الروسي لصربيا، منع أي فرصة لمجلس الأمن لإصدار قرار بإرسال قوات إلى هناك.
للمرة الأولى في تاريخ الأمم المتحدة، توافق السكرتارية العامة على التدخل العسكري من قبل حلف (الناتو) بدون قرار من مجلس الأمن، وكان ذلك بالنسبة لعنان مأزقاً أخلاقيا ومعنوياً، هل ان الاخلاص يكمن في الأمم المتحدة وفي حكم القانون، أم في المواطنين الذين يتعرضون للمذابح؟
وهو يقف مؤيداً للضربات الجوية للناتو، ولكنه حذر مع ذلك مطالباً بضرورة ان يكون مجلس الأمن المصدر الوحيد للشرعية، والا فان العالم أجمعه في خطر من انتشار الفوضى، وتلك النبوءة تحققت بعد أربعة أعوام، عندما فشل مجلس الأمن من إمرار القرار الثاني الخاص بغزو العراق، ومع ذلك تواصلت تلك الحرب، وتلك الحرب كادت تفقده منصبه – ولكنها بالنسبة للمعجبين به أصبحت من افضل اللحظات بالنسبة اليه.
كان كوفي عنان مليئاً بالشكوك إزاء حجم أسلحة الدمار الشامل وكما يقول، "إن مفتشي الأمم المتحدة كانوا في العراق مدة طويلة، ودمرّوا قلة من الأسلحة، وفي الحقيقة، فان الناس تنازعوا في حجم تلك الاسلحة وقال بعضهم إنها بحجم تلك التي استخدمت في حرب الخليج الأولى، ولذلك كان الإحساس بأنهم يمتلكون شيئاً، ولكن ما مدى ضخامته، وما طبيعة تلك الأسلحة! وكان الجواب أمر مشكوك فيه".
وهو كان يخدع جيرانه لعدة أعوام، قائلاً لهم: "أنا قوي، لدي هذه الأسلحة، ولا تعبثوا معي". كانت تلك الأقاويل مجرد خدعة سيكولوجية، ولذلك السبب لم يتحمل بعدئذ الموقف الذي ينفي فيه تواجد تلك القوة، وانه كان يكذب بشأنها، أعتقد ان هذا الأمر هو التفسير الصحيح لما حدث".
وعنان يشعر بأسف كبير لتعيين مفتش الأسلحة – غير رسمي، لا يتحسس مدى اعتزاز الجيش العراقي بكرامته، وكان ريتشارد بتلر "غلطة هائلة، أحد أسوأ التعيينات التي أصدرتها في حياتي). لماذا؟ ففي مكان مثل بغداد، حيث الناس وطنيون جداً، عليك أن تجد طريقة ما للتعامل معهم، فانك لا تقدر أن تذهب إلى هناك وترمي بثقلك عليهم.
وكوفي عنان ما يزال يجفل لذكرى تدرّجات تلك المواقف المتصلبة والتي أدت إلى الحرب، وفي مقدمة الجميع كان جورج بوش وأحاديثه عن القتال والحرب، وقال الرئيس بوش لعنان: "إن عيني تدمعان وأنا أتصور ما سيعانيه العراقيون تحت حكم صدام".
وكان بوش، كما يعتقد عنان، لديه شيء من الأحاسيس لإكمال ما بدأه والده، وان المستشارين من حوله أيدوا ذلك، إنهم كانوا يفكرون أيضاً، أننا سنقتل طيرين بحجر واحد، سنتخلص من الديكتاتور السيئ ونتخلص من الأسلحة، ولكن ماذا عن الطير الثالث، احتياطي النفط العراقي؟ ويوافق على ذلك عنان بضحكة خافتة قائلاً: (أجل هذا ما يقوله الناس!) ثم يواصل كلامه بدون تردد: (أجل، كان العراق يمتلك احتياطيات في منطقة مهمة جداً للعالم، ولست متأكداً، فيما أن كان العراق بلدا فقيراً مثل الصومال، وتواجدت تلك الرغبة والاهتمام للذهاب من أجل إنقاذه!).
وعنان أيضاً غير واثق من دوافع توني بلير أيضاً: (توني كان في أفضل حالاته، وكان بإمكانه أن يكون احد السياسيين اللامعين في عصره، ولكنه بطريقة ما ربط نفسه بذلك الموضوع، اعتقد أن صداقة حقيقية كانت ما بين جورج بوش وبلير، وايضاً كان هناك دافع وحاجة قوية لدى بلير للوقوف الى جانب بوش من اجل الحفاظ على تلك العلاقة الخاصة، التي أدت الى ما حدث.
ان الأمر صعب للشرح، لانه في البداية كان يقف في الجانب الأيمن وكان ايضاً يفضّل الحصول على قرار ثانٍ، وأعتقد ان تلك المرحلة كانت مواتية ليقول: (بوش، أنا لن اقف معك في هذه القضية بدون قرار من مجلس الأمن).
في عام 2007، تم تعيين بلير المبعوث الخاص للجنة الرباعية، مهمة دبلوماسية اتخذ القرار بشأنها في 2002، من قبل عنان نفسه من اجل تمثيل اميركا، اوربا، انكلترا وروسيا، في محادثات من اجل السلام في فلسطين، وقد وجد عنان تعيين بلير في ذلك المنصب امراً محيّراً، وقال لنفسه بذهول (أجل ان لي نصيبا فيما حدث، لقد دهشت وفوجئت لقبوله بذلك الدور، ولم يحدث أي تطور في ذلك الملف، وفي الأعوام الخمسة الأخيرة، لم تحدث أية مفاوضات حقيقية في الشرق الأوسط).
وقد أعلن عنان بشكل واضح أن حرب العراق لم يكن قانونياً، ولم يندم على ذلك، ويقول: (كان ذلك ما اعتقده، ولكن الثمن الذي دفعه اثار دهشته: "لقد هوجمت الأمم المتحدة، وهوجمت أنا شخصياً، وجرى تطبيق ما يسمى بـ النفط مقابل الغذاء لمحاربتي ومحاربة الأمم المتحدة. وقد زعمت أميركا وجود صفقات فساد مالي ضمن ذلك القرار، برنامج النفط مقابل الغذاء، من اجل الإساءة إلي".
وكان الضغط عليه قوياً من قبل واشنطن، ولكنه لم يفكر جدياً بالاستقالة، مع انها خطرت بباله مرات عدة.
ويقول عن عمله في الأمم المتحدة: (اعتقد اننا قد حققنا بعض التقدم، ولكن المصالح الوطنية تأتي قبل المصالح العالمية- ولكن ما لا تدركه الحكومات والناس، ان المصلحة العامة العالمية – هي مصلحة وطنية).
* ولد كوفي عنان عام 1938 في قبيلة قوية في غانا، وكانت طفولته متميزة فيما كان يسمى الساحل الذهبي، وقد نالت غانا استقلالها عن بريطانيا، حصل على زمالة دراسية في أميركا، وكان يأمل العودة إلى بلاده وخدمتها ولكن عملاً في منظمة الصحة العالمية في جنيف قدمه الى الاهتمام بالبيئة العالمية، ويكتب: (وأدركت آنذاك ان المجتمع بالنسبة لي مختلف عن مجتمع والدي وجيله).
فكيف تمكن عنان وهو شخص لم يتحسس كثيراً المشاعر الوطنية، التغلغل في نفوس رجال تبدو تلك المشاعر الاهم بالنسبة إليهم؟
ان كتابه مليء برجالات ماراثونية ومهمات تستوجب السرعة لانجازها، فكيف توصل إلى قراراته.
ويقول عنان: (على المرء أن يفهم دوافع أولئك السياسيين، وان تتوصل معهم إلى قرار يحفظ كرامتهم، أن الكرامة عنصر هام جداً.
وأنا اقول لهم، ان كنت حقاً قائدا، عليك الاهتمام بمصالح شعبك، عليك قيادتهم وان تتخذ موقفاً شجاعاً، لو كنت قوياً حقاً، ابحث عما هو ضعيف في مجتمعك وتحسس مشاعر الشعب، ان صدام، وبما تصور نفسه صلاح الدين الجديد –المحارب العربي العظيم- ولذلك اقول له: (هل تريد أن تدمّر ما فعلت! وكيف سيكون الحكم عليك بعدئذ؟!
يا ترى كيف سيكون الحكم على كوفي عنان في المستقبل؟
عن الغارديان