شاكر الأنباريالانتخابات، المحلية والوطنية، قادمة، لكن لا يبدو أن أحدا من القوى السياسية يكترث بها. وهذا دليل مراهقة سياسية، وضعف في الديمقراطية الوليدة. فالحصص كما يعتقد الجميع موجودة ومضمونة، ما دام الأمر لا يعتمد على المشروع السياسي، والنشاط الاجتماعي، ونظافة الأداء خلال المراحل السابقة، إنما على الولاءات، وهي جاهزة في مطلق الأحوال.
المحاصصة موجودة في المدن والمحافظات، بين الطوائف والقوميات، وأحيانا حتى بين الأحزاب، لذلك لا يخشى من هو موجود في السلطة، ومجلس النواب، والوظائف الكبيرة، من تغيير يذكر مهما ساء أداؤه، أو صرح من تصريحات مخزية، وثبت كذبه وتضليله، أو ساهم في تدمير البلد، أو سكت على ذلك التدمير. هذا إن تناسينا صعوبة محاسبة أحد أمام القانون من المتنفذين، وأبناء القوائم الكبرى، ومدللي الأحزاب التي تستطيع الحصول على كل ما تريده بتلفون قصير. القانون كما يؤمن العراقيون موجود للضعفاء، والعامة من هذا الشعب، ممن يفتقدون معارف يعتد بهم وعشائر وطوائف وأحزابا تقف خلفهم في استحصال الحقوق. لا أحد من النخب السياسية يفكر في الانتخابات القادمة، إذا ما عرفنا أن ما يجري اليوم يجلب المال، والنفوذ، والولاء، في معركة سياسية تستخدم فيها الأسلحة كلها. معركة إلغاء، وتهميش، وتعويم، ساحتها اللحظة الحاضرة، وإن غدا لناظره قريب كما هو معلوم. حيث المستقبل قابل للتزوير، والتلاعب، وحياكة المؤامرات، وتخوين الآخرين أو تتفيههم أمام الرأي العام. لذلك لا احد خائف من صندوق الاقتراع الذي سيطل علينا في السنة القادمة. وهذا حساب قد يكون غير دقيق، ويفتقر إلى الحكمة، مهما بدا منطقيا أمام ما نراه من فوضى في العلاقات بين القوى السياسية، وتخلخل المشروع الوطني الذي بنى عليه الشعب آمالا عريضة لتغيير واقعه البائس حين ذهب إلى التصويت في الانتخابات السابقة. من يتذكر خارطة الانتخابات في ألفين وخمسة يستطيع أن يدرك أنها كانت تختلف عن خارطة ألفين وتسعة. حدثت تغييرات هائلة في أهواء الناخبين برغم وجود الطائفة المضمونة والقومية المضمونة والمحافظة المضمونة. العراقيون ثبت أنهم ليسوا بهذه السذاجة التي يعتقدها السياسيون الجاثمون على صدورنا. أكثر من حزب كان له رصيد في انتخابات ألفين وخمسة أفاق على فقر مدقع في انتخابات ألفين وتسعة، بسبب مواقفه وتوجهاته الاجتماعية وأيديولوجيته الحزبية والطائفية. وتحالفات ذابت، وأخرى حققت انتصارا نتيجة طرح مشاريع وطنية اقتنع بها الناخب العراقي. ذلك درس ينبغي ألا يفوت ممن يعتقد اليوم أن حصته مضمونة في مجالس المحافظات ومجلس النواب، كونه يتكئ على طائفة يظن أنها منسجمة في الوقوف خلفه مهما عمل، أو ارتكب من أخطاء وسرقات وتزوير وتضليل وفساد وقع جله على كاهل ابن الطائفة ذاته، وعلى الوطن في نهاية المطاف. ذاكرة الفرد يمكن أن تخون، لكن ليست الذاكرة الجمعية. إنها السذاجة ذاتها التي ركبت رأس العقيد القذافي طوال عشرات السنين، ليجد نفسه تحت أحذية الثائرين يطلب المغفرة، ولكن بعد فوات الأوان. وبرغم أن المقارنة بعيدة كل البعد عما يجري لدينا، غير أن الحديث يثري بعضه البعض في نهاية المطاف، وخبرة التاريخ ملك للشعوب.
كلمات عارية: هل الناخب موجود فعلا؟
نشر في: 31 مارس, 2012: 09:43 م