احمد المهناالمنصف المرزوقي رئيس جمهورية من دون ربطة عنق. هذه سابقة قد لا تكون لها لاحقة. وبين القادة والمسؤولين الذين حضروا القمة تفرد بالإعتذار من أهل بغداد عن "التضييقات" التي سببتها لهم القمة. المالكي تأخر بالإعتذار. لا بأس. الحكمة مريودة وإن متأخرة. أما "المنصف" فاعتذر مسبقا، من تونس، قبل أيام من وصوله بغداد، خلال مقابلة تلفزيونية.
وهذا يعني ان الرجل يسمع ويرى البعيد، ويحس به. فيا لحظ القريب منه. هل يقدر التونسيون فيه ذلك؟ بالتأكيد. فهم انتخبوه. وهم شعب يتمتع بالحساسية الإنسانية. ومن هذه الحساسية تفجر تعاطفهم مع مأساة البوعزيزي، ومنها أطلقوا شرارة الربيع العربي.هل من علاقة بين ربطة العنق والإحساس؟ هل يطفىء ارتداؤها الاحساس ويحييه خلعها؟ لا أبدا. فهي رمز أناقة عتيد. وكان يجب ان لا يكون اسمها كذلك. لكن الانكليز الساخرين هم من أطلقوا عليها هذا الإسم. وكان الجنود الكرواتيون أول من ارتدى الرباط. وخلال حروب أوروبا في القرن السابع عشر، تعرض الجنود الكرواتيون للشنق بأربطتهم من قبل أعدائهم. ومن هنا جاءت التسمية الانكليزية: ربطة عنق. ونحن في العراق طابت لنا هذه التسمية. اخواننا المصريون شقت عليهم فاستعملوا التسمية الفرنسية "كرافته". من كرواتيا. والفرنسيون هم من عمم ارتداء الرباط. لكن صاحبنا المرزوقي، وهو المتزوج من فرنسية، والواضع بضعة كتب بالفرنسية، والعائش منفاه في فرنسا، ثم رئيس الجمهورية، لم يحمله كل ذلك على "تقييد" رقبته.ولابد أن ذلك يمثل تعبيرا ما عن شيء ما في شخصيته. بعد توليه الرئاسة قد يقول هذا الشيء: انني لن أتغير. بالمعنى السلبي للتغيير طبعا. قبل ذلك هو طبيب وأستاذ جامعي ومفكر وسجين سياسي تدخل نيلسون مانديلا يوما من اجل اطلاق سراحه. وكل هذا يرشحه لارتداء الرباط. لم يفعل. ذلك قد يعني، فوق تمسكه بالبساطة، إهتمامه اهتماما جذريا بأشياء عميقة تصرفه عن المظهر.ولعل شيئا من أبي العلاء، أنبل شعراء العربية، قد ترسب فيه، والمنصف صدر أحد كتبه بهذا البيت الآسر للمعري: وهون ما نلقى من البؤس أنناعلى سفر أو عابرون على جسروكانت نظارته العريضة الكبيرة مثار تندر واسع، في الفيسبوك، بين شباب تونس أيام الإنتخابات. كما كانت موضع تساؤلات في بعض مقابلاته الصحفية، وكان يرد عليها مع ابتسامة. وظهر انها هدية يعتز بها من ابنته، ولما انتهت صلاحيتها نسبيا، لم يستطع استبدالها لأنه كان يعمل بمورد ضعيف في مستشفى فرنسي فقير. ثم بدا لشباب حزب"المؤتمر من أجل الجمهورية" الذي أسسه، ان تلك النظارات، شأن امتناعه عن ارتداء الرباط، تنطوي على نفس الرمزية في شخصية الرجل. فاتخذوا من النظارة رمزا لقائمتهم الانتخابية. والرجل غير نظارته. وفهم من ذلك انه يسمع، ويقبل "التغيير". التغيير بالمعنى الإيجابي طبعا.يرفض المرزوقي مناداته بفخامة الرئيس. السيد الرئيس، اذا أصررتم على لقب، مم يشكو؟ قصر قرطاج الذي يسكنه اليوم يبدو غريبا عليه. قال:" بصراحة الى حد الآن لم أكتشف هذا القصر". ولربما لن يفعل. هذا الأصيل الذي لا يتنكر لأصوله البدوية، ولا لانحداره من طبقة فقيرة، وضع شعبه في رقبته بدل الرباط. إنه، شأن بلاده، مفخرة الربيع العربي.
أحاديث شفوية :رئيس دون ربطة عنق
نشر في: 1 إبريل, 2012: 10:57 م