بغداد/ نوري صباح كما تتوالد الحكايات في ألف ليلة وليلة، الواحدة من جوف الأخرى، بالنسق ذاته، تتوالد الأزمات في العراق، ولا تشذ عن ذلك أزمة العقارات والسكن التي يقاسيها العراقيون منذ سنين عديدة، فليست هي سوى محطة في طريق الأزمات الطويل، قبلها محطة قادت إليها، وبعدها محطة تُوصِل إليها
غير أن ضياء حمدان، وبطريقة لا تخلو من التهكم، يستدرك على هذا الوصف بأن "ألف ليلة وليلة شيء ممتع بينما أزماتنا ومشاكلنا شيء مقرف للغاية"، ويعمل السيد حمدان -ولا يبدو كمن تجاوز الثلاثين قبل عامين- في فضائية "العراقية" شبه الرسمية منذ ثلاث سنوات، وبرغم أن معارفه والمقربين منه ينظرون إليه بعين الحسد لما يتقاضاه من مرتب جيد في وظيفة على ملاك وزارة الإعلام، فيها من"الكاريزما والبريستيج" الشيء الكثير، إلا انه لم يستطع حتى الآن أن يؤجر -ولو- منزلا بسيطا يستقل فيه مع عائلته الصغيرة، فضلا عن التفكير في شراء واحد مهما كان متواضعا "تزوجت منذ سنتين ولي بنت واحدة (شموسة) أجمل طفلة في العراق والدول المجاورة" يستمر في حديثه عابثا مرة وملتاعا أخرى "إنني أتعثر بقطع الأثاث وعرائس (شمس) في غرفة نومنا ذات المساحة المضحكة المبكية (5×4)" ويعيش السيد حمدان مع أبويه وثلاثة إخوة وأختين في مدينة الصدر في دار (نصف قطعة) متهالكة قديمة لا تتعدى مساحتها 60 مترا مربعا، يشغل هو وزوجته وابنته الغرفة الأكبر (ماستر روم)! ويتوزع الآخرون فوق الأربعين مترا مربعا المتبقية "وهي مساحة بالكاد اتسعت لغرفتين صغيرتين نستخدم إحداهما كغرفة استقبال في حال قدوم ضيوف أو زائرين"على حد قوله.وكان المتحدث باسم هيئة استثمار بغداد ثائر الفيلي قد أوضح في تصريح لإحدى الإذاعات في وقت سابق أن "أسعار العقار أو الاستئجار في بغداد إذا ما قورنت بالأسعار في العاصمة اليابانية طوكيو المتنعمة بأحدث الخدمات فسنجد أنها أغلى وبفارق مهول وكبير"، وأكد الفيلي أن "سعر العقار لا يتناسب مع دخل الفرد العراقي الذي يصل إلى نحو خمسة آلاف دولار سنويا".وفي مكتب دلالية عقارات صغير يجلس قاسم الشمري، والملل بادٍ على ملامحه "السوق بطيئة جدا،لم أبع أو أؤجر أي بيت أو شقة منذ حوالي أسبوعين"ويعلل الشمري كساد السوق قائلا لـ"المدى" "الإجراءات الأمنية المشددة والزحامات الهائلة بسبب التحضيرات للقمة العربية قطعت أرزاقنا فليس بالإمكان أن يتنقل الناس بين منطقة وأخرى في بغداد لمعاينة منزل هنا او شقة هناك"، ويتابع الشمري الذي يعمل في هذا المجال منذ سنين،ملقيا بعض الضوء على الأسعار "لم يعد بمقدور الموظف البسيط أن يشتري أو يؤجر بيتا فالأسعار خيالية ،بيت بسيط بمساحة 100 متر في منطقة شعبية لا يقل سعره عن 200 مليون دينار شراءً،و 300 ألف دينار شهريا في حالة استئجاره".ويقول عبد الإله الحاج بيرغ الذي عمل لسنوات أستاذا للاقتصاد في المستنصرية "كلما نُفض الغبار عن ملف أزمة السكن الكاتمة للأنفاس والتصاعد المحموم في معدلات قيم العقار والإيجار، تستعر جولة جديدة من تراشق التهم والإنحاء باللائمة من كلٍ على الآخر، بين الجهات المعنية بهذا المفصل السيااجتماعي -وكذلك- السيكواقتصادي، في الآن ذاته".ويُذكر أن محافظ بغداد صلاح عبد الرازق قد اتهم في وقت سابق وزارة الإعمار والإسكان في تصريح لوكالة كل العراق (أين) بالتقصير بشأن انجاز مشاريع إسكانية للمواطنين.ومن جانبها حملت وزارة الإعمار والإسكان محافظة بغداد التقصير في أزمة السكن،مؤكدة أن تصريحات محافظ بغداد تنطبق على مجلس المحافظة وليس على الوزارة.ثم وهو يشعل التبغ في غليونه وقد انطفأ أكثر من مرة خلال الحديث، يضيف الحاج بيرغ، من وراء غيمة دخان صغيرة نفثها للتو"التنصل من المسؤولية والبحث الدائم عن آخر لتحميله وزر المأساة -ما يجري الآن بين قوسين- سمة لازمت الفعل السياسي منذ سقوط الصنم حتى يوم الناس هذا".ويرى بيرغ أن الحل يكمن في إفساح المجال أمام الاستثمار في هذا القطاع الحيوي المهم، ورصد تخصيصات مالية هائلة لمشاريع الإسكان، بالإضافة إلى توزيع قطع أراضٍ على المواطنين مع قروض عقارية مناسبة "كلا حسب استحقاقه وحاجته الفعلية" على حد قوله.وبدا كمن يقاوم كابوسا مفاجئا وهو يقول"مع التوقعات المرعبة التي ترجح بأن عدد سكان العراق سيبلغ نحو 50 مليون نسمة بحلول عام 2020، بالإمكان جدا تصور حجم الكارثة إذا ما استمر التعاطي مع المشكلة على النحو ذاته من الإهمال وغياب الإستراتيجية اللازمة للحل أو تغييبها عمدا لاعتبارات سياسية وشخصية".وبرغم أن قانون الاستثمار رقم (13) لعام 2006 منح مزايا وتسهيلات كبيرة للمستثمرين في قطاع الإسكان، كما تشير صحيفة كريستيان ساينس مونيتر، إلا أن الاستثمار الأجنبي لا يزال متوجسا من دخول السوق العراقي.ووفقا لدراسات وإحصائيات أعدت في هذا السياق فإن العراق بحاجة إلى خمسة ملايين وحدة سكنية حاليا وهي في تزايد مادامت عملية البناء شبه متوقفة والحكومة عاجزة عن إي
العراقيون ضحايا فكين مفترسين: غلاء العقار وإهمال الدولة
نشر في: 2 إبريل, 2012: 08:45 م