عباس الغالبيبعد التغيير السياسي العاصف الذي حدث عام 2003 ، كان الاقتصاد العراقي إزاء مقاربتين ، الأولى أيديولوجية والثانية براغماتية ، إما أن يتجه بحسب المقاربة الأولى إلى التغيير السريع على طريقة الوصفات الجاهزة على غرار ما حدث في روسيا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي ، أو أن يتجه إلى التغيير التدريجي على غرار ما حدث في الصين ، وما أحدثته من نمو اقتصادي كبير تجاوز في مستوياته كبريات الدول الصناعية .
وحدث ما حدث من إجراءات ترقيعية درج عليها الحاكم المدني السابق للعراق بول بريمير ، كانت بمثابة ذر الرماد في العيون ، حيث أصدر عددا من القرارات والإجراءات التي لم تؤت أكلها ولم تنعكس بشكل ايجابي على المشهد الاقتصادي ، وحتى إن البرامج الاقتصادية للحكومات المتعاقبة منذ مجلس الحكم وحتى الحكومة الحالية لم تكن واضحة المعالم وليس هنالك إستراتيجية اقتصادية تكون مدعاة لقياس مدى ملائمة المنهاج الحكومي للتشوهات التي يعاني منها الاقتصاد الوطني ، ولذلك لم يبرز جلياً اقتصاد السوق ، وظلت الحكومة هي المسيطرة على النشاط الاقتصادي بجميع حيثياته .وما زال المشهد الاقتصادي يعاني من ضعف القاعدة الإنتاجية في القطاعين الزراعي والصناعي وانحسار شبه تام للقطاع الخاص ، وضعف الاستثمارات وتراجع الأداء لكثير من القطاعات الأخرى ، وعدم قدرة البيئة التشريعية على تحريك عجلة الإنتاج التي تعد غاية في الضرورة لاقتصاد السوق ، هذا فضلاً عن استفحال ظاهرة الوثنية النفطية ، حيث ما زالت الموازنة العامة للدولة تعتمد على ما نسبته أكثر من 90% على النفط كمصدر تمويل وحيد ، مع الإشارة إلى أن الاقتصاد الوطني يمتلك من المقومات ما يجعل مصادر التمويل متعددة ، وهذا ما ينسجم مع فضاءات السوق ، لكن عدم وجود الإرادة الحقيقية وغياب الرؤى المناسبة يجعل مصدر التمويل مقتصراً على النفط فقط .وان الاستمرار بهذا النهج سيجعل الاقتصاد أكثر تشوهاً وغير قادراً على معالجة الاختلالات الموجودة فيه مع سطوة القرار السياسي على القرار الاقتصادي وغياب البرامج الجادة ، مع التنويه إلى أن الموازنات السنوية لا يمكنها أن تعالج الحاجات الملحة للقطاعات الاقتصادية والخدمية كافة ، ما يتطلب الاعتماد بشكل جاد على الخطط التنموية متوسطة المدى مع المعالجات الحقيقية للمشكلات التي أشرنا إليها ، مع ضرورة الاتجاه إلى حيثيات اقتصاد السوق بتأن وعناية وبشكل تدريجي ، وليس بشكل ارتجالي يترجم على شكل إجراءات مرحلية لا تعتمد العمل المؤسساتي .
اقتصاديات: هل نتجه إلى اقتصاد السوق ؟
نشر في: 2 إبريل, 2012: 08:47 م