من خلال قراءة متأنية للمشهد العربي العام يمكننا أن نلاحظ أن هناك أكثر من غاية وهدف حاولتْ بعض الدول المشاركة في قمة بغداد تحقيقها والاستفادة من هذا التجمع العربي للوصول إليها. فقادة العراق يعلنون صراحة بأنهم حاولوا من خلال عقد القمة العربية العودة إلى المحيط العربي وإنهاء حقبة من العزلة والقطيعة .
بينما حاول قادة الدول التي شهدت تحولات ديمقراطية وتمكنت ثوراتها من إسقاط الأنظمة الدكتاتورية كتونس ومصر وليبيا واليمن الحصول على الشرعية العربية والدولية من خلال حضورهم إلى القمة كممثل شرعي عن شعوبهم. في الوقت الذي يسعى قادة دول أخرى من خلال سياسة المحاور تنفيذ أجنداتهم في تغيير موازين القوى في المنطقة ويعتقدون أن القمة العربية المكان المناسب لحشد الأنصار لتنفيذ هذه الإرادة . وأخيرا ربما تجد بعض القوى السياسية العراقية القمة ملاذا لها لعرض مشاكلها الداخلية .وهنا أصبح الكثير من الأسئلة يغذي مخيلة المواطن العربي الذي تطلّع إلى قمة بغداد التي اختتمتْ أعمالها مؤخراً ومنها: هل انشغل القادة بتحقيق غاياتهم وأهدافهم وحل مشاكلهم بعيداً عن مصالح الشعوب؟ وماذا استفاد المواطن العربي من تلك الغايات والأهداف التي يتطلع إليها قادته وملوكه؟الحقيقة أن ما يهم المواطن بالدرجة الأولى هو ليس ما يهم القادة بل يتطلع إلى تحسن الحالة الاقتصادية المتردية التي يعانيها ووضع حلول لمعالجة مشاكله والأداء الاقتصادي المتردي الذي جعل هذه الدول في مؤخرة ترتيب دول العالم ما جعل المواطن العربي يثور ضد الفقر والبطالة وانخفاض معدل النمو وسوء توزيع الموارد إضافة إلى الفساد الذي انتشر في جميع مرافق الحياة . وهناك حقيقة مهمة يجب أن يدركها الجميع هي أن مفتاح الحل للقضايا العربية ومعالجة مشاكل المواطن لا يكمن في الحلول السياسية فقط وان أهداف السياسيين لن تساهم في وضع الحلول لأن هناك مواضيع اقتصادية كثيرة تتعلق بحياة المواطن بصورة مباشرة يجب أن تأخذ نصيبها من الاهتمام في القمم والمناسبات العربية المقبلة، ومنها "موضوع الأمن الغذائي والأمن المائي والسياحة والطاقة والاستثمار في المنطقة العربية وموضوع الاتحاد الجمركي العربي وتطورات منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى والربط الكهربائي العربي وربط السكك العربي "كل هذه الملفات المهمة كان يجب أن تبحث في قمة بغداد باعتبارها أهم بنود الملف الاقتصادي الذي يمس قوت المواطن العربي الذي يرغب في تحسين مستواه الاقتصادي والمعيشي، لاسيما بعد ثورات الربيع العربي ، التي كان العامل الاقتصادي أهم أسبابها . وأن عقد قمة بغداد في هذا الظرف أمر مهم وواجب لاقتراح سبل تحقيق التكامل الاقتصادي العربي لأهميته في تحقيق الأمن القومي العربي . ولأهمية هذا الملف وتأثيراته الخطيرة على حياة المواطن العربي كان لابد من إعطائه الاهتمام المناسب وتشكيل اللجان المتخصصة لمتابعة أهم القضايا التي ستطرحها القمة حول هذا الملف إضافة إلى ضرورة عرض عدد من بنوده التي تشمل متابعة تنفيذ قرارات قمتي الكويت وشرم الشيخ الاقتصاديتين والقمم العربية والإعداد للقمة العربية التنموية الاقتصادية والاجتماعية الثالثة والتي سوف تعقد في المملكة العربية السعودية العام 2013. ولابد من الإشارة إلى أن دول العالم المختلفة تسعى اليوم للانتماء إلى كيانات كبيرة وتجمعات اقتصادية بما يخدم مصالحها مجتمعة بينما نجد أن الدول العربية مازالت تواجه العالم الخارجي بكل تحدياته فرادى متفرقين بعيدا عن التنسيق المشترك بين هذه الدول التي تحظى بمقومات اقتصادية ربما لم تكن متاحة لمجموعة من دول العالم الأخرى وأن هذا الخلل في التنسيق العربي وغياب الرغبة الحقيقية في التعاون والعمل المشترك يفوّت الفرصة على الدول العربية في استثمار التعاون الوثيق بمضماري التنمية الاقتصادية والاجتماعية والأمن القومي . لذلك يرى البعض أن قمة بغداد كان يمكن أن تأخذ على عاتقها اعتماد محور عربي إسلامي لمواجهة التحديات الدولية للتعامل مع الدول الأخرى بصورة موحدة ككتلة اقتصادية قوية. خلاصة القول إن الجامعة العربية إذا ما أرادت أن تكون اجتماعاتها وقراراتها ذات تأثير إيجابي على حياة المواطن العربي فعليها توجيه جهودها صوب الملف الاقتصادي إضافة إلى الملف السياسي . فبالرغم من المساعي الحثيثة لحل الأزمات السياسية العربية عبر الاجتماعات والمباحثات المتواصلة إلا أن الفكر السائد لا يزال يتمركز حول العمل السياسي والتنمية الوطنية من دون ربطها بالمستوى العربي لتحقيق التكامل الاقتصادي، علماً أن خبرات التكتلات الاقتصادية في شتى مناطق العالم أثبتت ارتباط النمو الوطني بالملف الاقتصادي وبعلاقات الجوار، أي بالعلاقات الإقليمية ثم الدولية. وهذا ما يحتم علينا تطوير عملنا المشترك لبناء التكامل الاقتصادي العربي بما يخدم الشعوب العربية .
ما أغفلته قمّة بغداد
نشر في: 2 إبريل, 2012: 09:14 م