TOP

جريدة المدى > المنتدى العام > محاصرة رأس المال الاجتماعي

محاصرة رأس المال الاجتماعي

نشر في: 4 إبريل, 2012: 08:52 م

علي حسين عبيدهناك علاقة صراع وتضاد بين النظم السياسية المركزية وبين القيم المجتمعية، ومن بين أهم هذه القيم، الثقة المتبادلة بين الجميع، أفراداً ومؤسسات، والمكانة المعنوية العالية للفرد، وكلما ازدادت شراسة النظام السياسي وتركّزت سلطاته في بؤرة واحدة،   ازدادت الحرب على القيم المجتمعية التي يزداد بغيابها التصدّع العلاقاتي، ويتنامى بين عموم مؤسسات ومكونات المجتمع وأفراده، لذلك تسعى الأنظمة الشمولية إلى محاصرة رأس المال الاجتماعي لتحد من قدراته وتأثيراته على السلطة،
الأمر الذي يقود بدوره إلى مساوئ اقتصادية كبيرة، لأن غياب الثقة المجتمعية على سبيل المثال، سبب كاف لتردي العلاقات والإنتاج معا، لذلك لا يصح أن يكون الهدف من قوة الاقتصاد الوطني لبلد ما هدفا لتكديس الثروة، مع غياب الاهتمام بتنمية رأس المال الاجتماعي من خلال تطوير منظومة القيم الاجتماعية.يقول فوكوياما في كتابه "الثقة: الفضائل الاجتماعية وخلق الرخاء. عندما ندرك أن الحياة الاقتصادية لا تهدف إلى تجميع أكبر دور ممكن من الثروات المادية فحسب بل تهدف أيضاً إلى تحقيق الاعتراف بالقيمة والمكانة المعنوية للأفراد والممتلكات على حد سواء، تتضح لدينا علاقات التكامل والتكافل بين الرأسمالية والديموقراطية الليبرالية ". هكذا تتداخل العلاقة بين الفعل الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، إلى الحد الذي يصعب معه الفصل بين هذه الأطراف الثلاثة، وتحييد التأثير المتبادَل بينها.في المجتمع العراقي هناك حصيلة واضحة وقوية لفقدان قيمة الثقة، وهناك تدمير متواصل لمكانة الفرد المعنوية، قامت بها أنظمة مركزية بأقسى أشكال التعسف لكي تحافظ على عروشها من الانهيار، ولم يشفع لبعضها الشروع في البناء الاقتصادي الذي كان يتحسن ويقوى أحيانا في مقاطع زمنية محدودة، فقد كان هذه النمو الاقتصادي يركّز على هذا الجانب فحسب، في حين تُنتهَك شخصية الإنسان وتحاصر المؤسسات الاجتماعية بكل أنواعها، خوفا من تأثيرها على مركزية السلطة، لذلك فإن غياب الثقة في التعاملات المجتمعية المختلفة أدى إلى تبديد متواصل لرأس المال الاجتماعي، والسبب دائما الأنظمة المركزية، يقول فوكوياما في كتابه نفسه: "إن كفاءة المؤسسات السياسية الديموقراطية ليست أقل اعتماداً على الثقة المتبادلة من المؤسسات الاقتصادية، لأن تدني مستويات الثقة في أي مجتمع يتطلب بالضرورة وجود حكومات أكثر فضولاً وتدخلاً في حياة الأفراد، وأكثر ميلاً لسن القوانين المحددة التي تنظم العلاقات الاجتماعية". وطالما أن الانظمة الفردية أو الأحادية تسعى دائما لمضاعفة وتركيز سلطاتها، فإن النتائج ستبقى وخيمة على منظومة القيم المجتمعية، بسبب سعي الساسة الى حماية منافعهم ومصالحهم، لذلك يقول فوكوياما إن الكثير من الحالات التي تطرق إليها في كتابه هذا تشكل تحذيراً واضحاً من خطر ازدياد مركزية السلطة السياسية وما يترتب عليه من آثار سلبية تضعف أو تدمر المجتمعات المدنية، كما حدث في معظم دول المعسكر الشيوعي سابقاً.لذا مطلوب أن تُشاع الثقة كقيمة لا يجوز التفريط بها أو التخلي عنها، ليس على مستوى العلاقات الفردية المتبادلة، بل بين عموم المؤسسات التي تتدخل مباشرة في بناء الدولة (الاقتصاد والتعليم والصناعة والزراعة والصحة وما شابه)، ولابد أن نسعى لضوابط تحد من مركزية السلطة وتدخلها في الحد من فعاليات وأنشطة المجتمع كافة، لأننا أشرنا إلى الخطر الكبير الذي تحدثه السلطة المركزية في تحديدها حركة المجتمع، لذلك ينبهنا فوكوياما في كتابه نفسه إلى أن "كل المجتمعات الأسروية التي تتدنى فيها معدلات الثقة كالصين وفرنسا وجنوب إيطاليا كانت نتاج أنظمة حكم ملكية ومركزية في الماضي، وقد عملت كل تلك الحكومات على الحد من استقلالية المؤسسات الاجتماعية الوسيطة ومنعها من الحصول على سلطات خاصة. على العكس من ذلك، كل المجتمعات التي ترتفع فيها معدلات الثقة، كاليابان وألمانيا، كانت تعيش في ظل سلطات سياسية لامركزية نسبياً طول الفترة التي سبقت قيامها في العصر الحديث".

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

كاريكاتير

كاريكاتير

ميثم راضيميثم راضي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram