سرمد الطائيكل عربنا حاضرون في أربيل عبر معرض الكتاب. العرب الذين منعنا حظر التجوال البغدادي من رؤيتهم حين جاؤوا في لحظة نادرة إلينا، يمكنك رؤية نظرائهم هنا في كردستان. وفي باحة فندق روتانا المنشأ باستثمار خليجي ناجح، تلمح شاعر الشام ومفكرها المثير للجدل ادونيس،
والنقاد محمد دكروب وجابر عصفور وصلاح فضل، ورجل الدين الأكثر سماحة ونثرا فخما.. هاني فحص، وسواهم من مبدعين عراقيين عرب وكرد.وخلال سفرة سريعة مع بضعة شباب مجانين يتاح لك ان تنطلق من العاصمة لترى عدة مدن وكمية كبيرة من الجبال الصخرية الساحرة وجبالا من الحروف المعروضة بأناقة وأسعار مقبولة في معرض المدى، وعددا جيدا من الأصدقاء، ومباني شيدت "بروح إمبراطورية" عبر مستثمرين أجانب تفتخر بهم تجربة الكرد اليوم.وفي عراق المتناقضات خيط رفيع بين معاني التفاؤل وواقع المرارة. وسجالات معرض أربيل للكتاب زاخرة بالكثير من هذا. فأثناء تهربه من مقترح صلاح فضل بتسجيل مذكرات عمرها نصف قرن من السجال السياسي والثقافي، يجلس فخري كريم وسط ابرز النقاد متحدثا عن خيباته التاريخية إزاء جمهوريات اليسار من أقصى آسيا إلى أدنى أفريقيا.. ونحن نسأله عن تفاصيل خيباتنا إزاء جمهوريات اليمين ومآل "الديمقراطيات الفتية" وما يدور في الحوار بين السيدين نيجرفان بارزاني ومقتدى الصدر. اما هاني فحص فهو كلبناني لا يجد لذة كبيرة في الحديث عن المصائر المحزنة لكل هذه التجارب وبدل ذلك يسأل: لماذا لا تتجولون بمعرض كتابكم هذا في كل المدن.. حتى لو اضطررتم الى نصب خيام وسرادق بسيطة وسط الناصرية او الرمادي. خذوا المفكرين والكتب الى كل مكان لأن الكلمة هي مفتاح التحديث والديمقراطية.ولعل في المعرفة ما يعجز عن انجازه مليون جندي ينتشرون في العراق من عهد صدام حسين الى حقبة التوافق السياسي الواقف في مفترق طرق اليوم. لكن بغداد التي تفرح بمنجز مبالغ فيه لعقد قمة العرب السياسية، تعجز وتتعثر في اقامة معرض للوراقين والنساخ والكتبيين، بقليل من مال نفطنا المهدور، قرب المدرسة المستنصرية التي كان يجلس عندها ابن النديم قبل الف عام فيسجل عناوين ما يخطه المتكلمون والفقهاء واهل الطب والنجوم والتصوف في قلب الإمبراطورية العباسية، حين كان السلطان يحب الفلسفة او يتأنق و"يكشخ" بحضور أهل الأدب. اما المعرفة اليوم فهي لا تثير حماس ساستنا بقدر ما تثيره الخطابات وقرارات الحرب والسلام، ولذلك فهم مشغولون بكثير من الحرب وقليل من الحب الزائف، عن شأن الكتاب وأهله.ولا شيء كمعارض الكتب الناجحة تبسط أمامك ما ينتجه بنو البشر في مجال الطباعة. وهنا دار نشر تونسية يهرع إليها المرء رغبة في التواصل مع بلد الشاب المنتحر الثائر بوعزيزي. تقلب في عناوينها فتلفت نظرك كتب عدة للرئيس الحالي المنصف المرزوقي الإسلامي الذي يستحق المتابعة كمعظم اسلاميي شمال افريقيا لانهم الاقرب الى روح ابن رشد الناقدة، على عكس اسلاميينا الخارجين من عقل ابو الاعلى المودودي المتحفظ الذي يسكن اخوان مصر والشام ومنظري الاحزاب الدينية بين ايران والعراق.المنصف الذي كان نجم القمة العربية الاخيرة عند العراقيين، يسأل في كتابه: هل نحن اهل للديمقراطية؟ الرئيس الذي كان يكتب من منفاه الفرنسي قبل 10 اعوام، يواصل الحديث عن تفاصيل لذيذة تكشف كيف انهمك عقودا في التفكير بمشكلة الحكم في الشرق الاوسط. وهو ينقل عن صديقه البرلماني الايطالي الذي يتعاطف مع الشرق قوله اثناء حديث مع المنصف المرزوقي: لا تكترثوا يا اهل الشرق الاوسط بحديث الغربيين عن عدم اهليتكم للديمقراطية. لقد كان الانجلو ساكسونيون في انكلترا وفرنسا يقولون لنا قبل الحرب العالمية الثانية ان ايطاليا واسبانيا ليستا اهلا للديمقراطية، ثم تغيرت الامور.وحين تعود الى بغداد يدهمك منظر اتباع السيد الصرخي وهم يحتجون بمطالب غامضة، بينما تضربهم شرطة رئيس حكومتنا وجيشه.. لأسباب غامضة. وتقارن بين سجال المنصف المرزوقي وسجال اتباع الصرخي بالهراوات مع جند زعيم دولة القانون. وتحلم مثل رجل الدين اللبناني، ان تنصب في ساحة التحرير سرادق لكل الكتب، كي تدعو شرطة المالكي وأتباع رجل الدين الى الجلوس ساعة مع كتاب يضعنا امام اسئلة الحقيقة قبل نفاد الوقت.
عالم آخر: أسئلة عربنا في أربيل
نشر في: 7 إبريل, 2012: 09:54 م