أحمد عبد الحسينيقال عادة إن معارض الكتاب التي تقام في دول عربية وإسلامية يكون للكتاب الإسلاميّ فيها الحصة الأوفر مما هو معروض ومباع على السواء، وفي معارض كثيرة حضرناها رأينا أن الدور المختصة بنشر الكتب الإسلامية حاضرة بقوّة وفاعلة وأن زحاماً كبيراً تشهده أجنحة هذه الدور، لكنّ ذلك الفهم السائد لم يتمكن أحد من التثبت منه إلى الآن من خلال إحصائيات واضحة.
دائماً ظلّ هذا الأمر مدار حديث بين فريقين: دور النشر الإسلامية نفسها التي تريد أن تروّج لمطبوعاتها، وهو من صالحها حتماً أن يكون لكتابها القدح المعلى في معارض كهذه، وغرمائهم من دور النشر الأخرى التي لا تُعنى بطباعة ونشر كتب التراث، ممن يجيء حديثهم على هيئة شكوى وتبرّم من سيطرة قارئ التراث وسطوته.فهل يرقى هذا الأمر إلى مصافّ الحقيقة أم انه برمته لا يعدو كونه شائعة، ككثير من مسلماتنا الثقافية التي إذا ما فحصناها وتملينا فيها بعمق ظهر مقدار التهويل والمبالغة فيها؟لهذا ارتأينا أن نكرّس جولتنا هذا اليوم للتساؤل عن الكتاب الدينيّ "الإسلاميّ تحديداً" لننشئ صورة عن حجم ما يُتداول منه في معرض أربيل للكتاب. فالتقينا بأصحاب دور مختصة بالتراث الإسلاميّ لنتعرّف منهم عن كثب على مقدار الحقيقة في ما يشاع.خصوصيةأولى لقاءاتنا كانت مع السيّد عبد المطلب من دار "هيئة تراث الشهيد الصدر"، الذي قال إن هناك إقبالاً على الكتب الإسلامية بالطبع، لكنه لحظ أن هذا الإقبال ليس أكثر بكثير من الإقبال على سائر الكتب. وأضاف: لدارنا خصوصية تتمثل في أنها تعنى بطبع كتب التراث الشيعيّ، وطبع مؤلفات الشهيد الصدر وما كتب عنه، ولهذا فإن أغلب من يؤمّ الدار هم أولئك الذين يريدون التعرّف على مذهب أهل البيت، أو ممن هو مهتمّ بالتعرّف على شخصية السيّد الصدر باعتباره ثائراً استشهد على يد نظام جائر.وحين سألت السيّد عبد المطلب عن مشاركتهم هذه السنة وبمَ تختلف عن مشاركاتهم السابقة أجاب: هناك في المعرض أكثر من خمسة دور مختصة بكتب تراث أهل البيت، وجميعها تشهد حضوراً معقولاً ومقبولاً، ومشاركتنا الحالية أفضل من سابقتها، لأننا في السنة الماضية مثلاً تمّ حصرنا مع مجموعة من دور النشر المعنيّة بكتب التشيّع في حيّز واحد لم يتح لجمهور المعرض أن يرى التنوّع، فكان يبتعد ما إن ير أن كلّ هذه الدور هي ذات هوية واحدة، أما هذه السنة فقد اختلف الحال، وها أنت ترى دورنا موزعة على مساحة واسعة، كما أن التنظيم بمجمله هذه السنة أرقى مما سبق، ما يدلّ على أن القائمين على المعرض متجهون إلى الأفضل دائماً من خلال تجاوز السلبيات السابقة.سألته: أليس لاختصاص دار نشر ما بكتبٍ تخصّ مذهباً واحداً دخل في تراجع مبيعاتها؟، فأجابني: لا أظنّ ذلك، لكلّ دار نشر خصوصية ما، فكما أن هناك دورا مختصة بالكتاب العلميّ، وأخرى بكتب الأدب، وأخرى بالفلسفة مثلاً، فإن للكتاب الدينيّ ومنه الشيعيّ طبعاً خصوصية تجذب له معتنق المذهب وسواه ممن يريد التعرّف عليه، لأني أؤمن أن الثقافة في آخر المطاف هي التعرّف على الآراء المخالفة وعلى عقائد الآخرين، أليست الثقافة في صلبها حبّ اطلاع؟ ولا يكون حبّ الاطلاع إلا بقراءة تراث لم تتعرف إليه جيداً ولهذا فإن كثيراً من روّاد جناحنا هم من سائر المذاهب الإسلامية الأخرى.ضدّ العلمانيةالشيخ عبد الغني محمد من دار "الإمام أحمد" للنشر وهي دار مصرية، أجاب عن سؤالي حول حجم ما بيع في دارهم بالقول: نسبة البيع متوسطة، هي مقبولة لحد الآن، لا تنس أن المعرض لم ينته بعدُ وما زال أمامنا الكثير، لكنّني راضٍ عموماً. سألته: هل الكتاب الإسلاميّ سيّد المعارض حقاً؟ ضحك قائلاً: نعم إنه كذلك. سألته عن السبب فقال: ببساطة لأن العالم العربيّ يتجه إلى الإسلام بقوّة، قراءة الفكر والتراث الإسلاميّ وكتب الفقه والحديث وتفاسير القرآن، نتيجة طبيعية لاهتمام الناس بالإسلام بعد صعود الإسلام السياسيّ خصوصاً بعد ثورتي تونس ومصر.قلت له: أمسِ التقيت شيخاً قال لي انه لن يقتني كتباً إسلامية بل هو يبحث عن كتب تدرس العلمانية ليتعرّف إليها. ابتسم الشيخ عبد الغني قائلاً بهدوء: العلمانية لا تحتاج إلى دراسة لنتعرف لها!، سألته مستغرباً: ولم لا تحتاج لدراسة؟ قال لأنها تشتمل على كلّ ما هو مضادّ للدين، فبالتعرف على الدين يمكن التعرف على العلمانية !إثرها دارَ بيني والشيخ حوار حول العلمانيّة، وهل هي معكوس الدين حقاً أم أنها حيادية تجاه الدين فهي بحدّها الأبسط فصل الدين عن السياسة لا إلغاء الدين أو نقض له، وبالتالي فالمسألة أعقد، وليس كلّ من يفهم الدين يمكنه فهم العلمانيّة؟قال الشيخ بحزم لكن بلطف كبير: نحن لا نتكلم عن السياسة، ولا ننشر كتباً سياسيّة! ودعته بلطف وخرجت.السياسيون يزاحمونناالأستاذ رعد من دار "مسجد السهلة" كان منشغلاً جداً ولذا فهو كان يحدثني ويحدث زبائنه بالتناوب لكني استطعت أن اقتنص منه أن البيع جيد نسبياً ، لكنه لا يصادق على القول أن الكتاب الإسلاميّ سيّد ما يباع من كتب بلا منازع. فهو لاحظ أن الكتاب السياسيّ يباع بكثرة أيضاً، كتب مذكرات السياسيين مثلاً، والكتب التي تتحدث عن التغيّر في المنطقة، هذه كلها تنافس الكتاب الإسلاميّ.قال لي أيضاً : إني لو عملت استقصاء بمن يحضر إلى دارنا لوجدت أغلبهم ممن ليس
هل الكتاب الدينيّ سيّد المعارض حقاً؟
نشر في: 7 إبريل, 2012: 10:06 م