صفاء العبدلم يفاجئني هذا الإهمال الذي عانى منه زميلنا العزيز الصحفي الرائع والرائد والكبير صكبان الربيعي إثر النكسة الصحية الطارئة التي ألمّت به مؤخراً وهو في صلب عمله وأثناء تأديته واجبه الصحفي المقدس الذي نذر نفسه له وتألق فيه وأبدع أيما إبداع منذ ستينيات القرن الماضي .
أقول ، لم يفاجئني ذلك لأننا في الصحافة الرياضية ، بل وفي الصحافة العراقية على وجه الخصوص ، تعودنا ذلك منذ آمد بعيد بحيث لم نعد نتوقع من احد ان يمد يد العون لأي منا اذا ما أصابه ما أصاب زميلنا الربيعي شافاه الله وعافاه دون منـّة من أحــد. فنحن هنا ، مع شديد الأسف ، لا نشبه غيرنا على الاطلاق .. فاذا ما كان الآخرون في بلدان غير بلدنا يحظون بكل اشكال الرعاية ، لاسيما الصحية ومن اصغر القوم حتى اكبرهم ، وينعمون بكل ذاك الاهتمام الذي يجعلهم يشعرون فعلا بعظمة الانتماء الى بلدانهم التي تتعامل معهم بروح الأسرة والأبوة الحقيقية ، فان الاهمال هنا هو العنوان حتى وإن كان الامر يتعلق برموزنا التي اعطت وتعطي دماً وتتصبب عرقاً من اجل ان تبدع على طريق ما نتمناه من نجاحات الغــد في مختلف مجالات الحياة . فقبل الربيعي كانت هناك وما تزال اسماء كبيرة اخرى عانت وتعاني بصمت برغم كل تلك الآلام التي تنخر اجسادها من دون ان تجد حتى مَن يسأل عنها مجرد السؤال. فهاكم شيخ الصحفيين الرياضيين قاسم العبيدي الذي يئن على فراش اليأس منذ نحو خمس سنوات بدءاً من بغداد ومروراً بدمشق وانتهاءً بالدوحة من دون ان يجد مَن يعينه او يسعى فقط لمجرد ان يخفف عنه بعض تلك الآلام التي تصيبه بمقتل. وذاك زميلنا الرائع الدكتور ضياء المنشىء الذي يكابد قساوة المرض اللعين بكل كبرياء العظماء من المبدعين من دون ان تمتد له يــد الوطن الذي يبخل على أبنائه حتى بمجرد السؤال . عذراً ، فانا هنا استخدم مفردة الوطن مجازاً لأشير من خلالها الى قادة هذا الوطن ممن وقفوا سابقا ويقفون اليوم على سدة الحكم فيه ولكن من دون ان نلمس منهم ما يدل ، ولو شكليا فقط ، على ما يعكس اهتمامهم ورعايتهم لمثل هذه النخبة من مبدعي بلدنا ورموزه الذين أفنوا ويفنون عمرهم في درب العطاء الثر ليصبحوا من عناوينه الكبيرة في هذا الميدان او ذاك ومنها ميدان الصحافة الذي قدم لعراقنا العظيم ويقدم كل يوم قوافل من الباذلين دماً وعرقاً وجهداً وعطاءً لا ينضب. نعم ، يؤلمني أشد الألم ان ألمس مثل هذا النكران الذي يستكثر على رمز كبير مثل صكبان الربيعي مجرد ان يصار الى معالجته في مستشفى ابن سينا او ان تتم معالجته خارج العراق وهو الذي ضحى بزهرة شبابه وأفنى كل عمره وقدم عصارة جهده للرياضة العراقية على مدى اكثر من نصف قرن من الزمن. يؤلمني ، ويصيبني بالخذلان أن أجد رجلا عملاقا في الإعلام الرياضي مثل قاسم العبيدي وهو اسير رحمة الآخرين في بلــد غير بلده من دون ان يجد حتى من يسأل عنه مجرد السؤال من سفارة بلــده في قطر! ينتابني اليأس فعلا وانا اسمع عن المنشىء ما لا يسر في بلاد الغربة بعيداً عن لمسة الحنين التي ظل ولا يزال ينتظرها وهو مسجياً على فراش المرض بانتظار ما ينتظرنا جميعا. إنه الجحود بعينه .. فللمبدعين حق كبير في كل مكان إلاّ عندنا مع شديد الاسف .. فهنا لا نتذكر مثل هذه الاسماء إلا بعد ان تغادر الى باريها ، وتلكم مصيبتنا التي تشعرنا بالإحباط وتجعلنا نصرخ بأعلى الأصوات .. كفاكم إهمالاً لأبناء أخلصوا وأبدعوا وأفنوا أعمارهم من اجل العراق العظيم.
خارج الحدود..لا تبكي.. إنه الجحود يا صكبان!
نشر في: 8 إبريل, 2012: 10:07 م