احمد المهنااليوم يصادف اكتمال تسعة أعوام من عمر "التغيير العراقي". وستبقى ذكرى التاسع من نيسان 2003 ، والى وقت غير قصير، مناسبة للحديث عما مثلته من منعطف عراقي وإقليمي ودولي.
ولا شك ان اساس هذا المنعطف أميركي. فقد بني كل شيء فيه انطلاقا من فعل أول، ومن تجربة جديدة على مسرح السياسة الدولية، تمثلت بالغزو الأميركي للعراق. إن جديد هذه التجربة على صعيد السياسة الدولية، تجسد بقيام الولايات المتحدة بهذا العمل العسكري – السياسي خارج إطار الشرعية الدولية.والشرعية الدولية تتمثل بمجلس الأمن الدولي. فلكي يحظى موقف او فعل سياسي دولي ما بهذه الشرعية، فإن عليه الحصول على موافقة الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن. والذي حصل أن ثلاثة من هؤلاء، فرنسا وروسيا والصين، عارضوا مشروع الغزو الأميركي. فهم لم يروا في نظام صدام تهديدا حقيقيا للأمن او السلام الدولي، كما رأت أميركا بقيادة جورج بوش الإبن.وكانت رؤية بوش هذه تستند الى حجتين هما امتلاك نظام صدام اسلحة دمار شامل، وارتباطه بعلاقات مع تنظيم "القاعدة". فيما بعد ثبت انهما اكذوبتان قد لا يكون لمثلهما نظير في تاريخ السياسة الدولية.وهكذا قامت الولايات المتحدة بغزو العراق في خروج تام على الشرعية الدولية. ولعل هذا الموقف شكل سابقة في تاريخ السياسة الدولية القائمة على اساس العمل بمنظومة الأمم المتحدة. فالراعي الأعظم لهذه المنظمة الدولية تمرد عليها، وعمل في تعارض مع قوانينها وأنظمتها.وكان لهذا "الإنقلاب" الأميركي على " الشرعية الدولية" ما يماثله على صعيد "الإستراتيجية الأميركية في الشرق الأوسط". فهناك أربع مصالح إستراتيجية لأميركا في المنطقة، وهي مرتبة من حيث الأهمية حسب الأولويات التالية: أمن النفط، أمن اسرائيل، أمن طرق التجارة الدولية، نشر الديمقراطية.وحسب هذه الأولويات فإن نشر الديمقراطية يأتي في مؤخرة سلسلة المصالح الإستراتيجية الأميركية في الشرق الأوسط. وهذا يعني ان اميركا قابلة للتكيف مع أنظمة دكتاتورية أو تسلطية، ليس بخاطرها وإنما غصبا عنها، طالما بقيت المصالح الثلاث الأخرى مضمونة. فهي، وإن كانت تشجع أي تغيير لمصلحة أو باتجاه الديمقراطية، ولكنها تقبل أو تتكيف مع الأمر الواقع المتمثل بالنظم الحاكمة في الشرق الأوسط. ذلك ان فرض الديمقراطية بالقوة على المنطقة مبدأ مرفوض، بسبب غياب أي أساس له في القانون الدولي الذي تمثله نظم ولوائح الأمم المتحدة.وجاء الغزو الأميركي للعراق بمثابة "انقلاب" على ترتيب أولويات المصالح الاستراتيجية. الانقلاب، او التغيير، تجسد بتقديم الديمقراطية على المصالح الثلاث الأخرى. ان ما يعرف في الولايات المتحدة بالمحافظين الجدد، الذين ينتمي اليهم بوش الإبن، وجدوا ان النشر العنيف للديمقراطية في الشرق الأوسط يقع في صدارة المصالح الأميركية، لأنه برأيهم كفيل بضمانة بقية المصالح.وكان غزو العراق ترجمة لهذا الإنقلاب أو التغيير. ولكن لم تمض عليه ثلاث سنوات حتى سقط، وتراجعت عنه أميركا بقيادة بوش الإبن نفسه، بعد أن ووجه بعاصفة هائلة من المعارضة الدولية والإقليمية والمحلية، كلفت اميركا أثمانا باهظة في الأموال والأرواح. والنتيجة هي عودة العمل الأميركي بالمصالح الاستراتيجية وفق الترتيب التقليدي لأولوياتها.هل للتغيير الأميركي ثم العودة عنه ما يماثله على المستوى العراقي؟هذه قصة أخرى.
أحاديث شفوية: "الإنقلاب" الأميركي
نشر في: 8 إبريل, 2012: 10:45 م