سرمد الطائيليست رائحة الاجساد وحدها التي بدأت "تفوح" مع تباشير الصيف في العراق. فعند مرورك امام البقال على ناصية الشارع، تدهمك رائحة الخضار والفواكه اذ بات من الممكن استنشاقها عن بعد بسبب ما يفعله الحر في انسجتها. لقد بدأ الصيف اذن على كل الكائنات، مع فرق واحد هي ان الكائنات الطبيعية لديها كهرباء،
اما نحن "الكائنات غير الطبيعية" فلن تكون لدينا كهرباء. فبدل ان نستنشق رائحة الطاقة التي تشغل اجهزة التكييف خلال صيفنا هذا، سنشم كثيرا رائحة الصراع على النفط بين بغداد واربيل وسواهما.كنت انتظر ان نسمع من السيد حسين الشهرستاني المكلف بموضوع الطاقة، شرحا مطمئنا على سير العمل في قطاع الكهرباء المنهار خلال سنة.. اي ما انجزته الحكومة بفلوسها الكثيرة منذ الصيف الماضي حتى الصيف الحالي. لكن فريق الحكومة راح يقحمنا مطلع الصيف، في الصراع على النفط الذي افتقدناه خلال الشتاء يوم تدبرنا بصعوبة وقود "صوباتنا" البدائية.البقال الذي تفوح رائحة بضاعته بسبب الحر، يقول لي اثناء دردشة بريئة "الحكومة خوش اوادم، طيبون. لكن تورطوا بشغلة كبيرة وهم يتعلمون ببطء". وانا ارد عليه بينما ألملم افكارا لمقال الغد: نعم يتعلمون ببطء، ولذلك فإنهم يفكرون بطرد عملاق النفط اكسون موبيل بسبب تعامله مع كردستان، بينما يخططون لمنح استثمارات لشركة النفط السورية كي تطور صناعة العراق النفطية.. سوريا الغارقة في ذبح شعبها والمتخلفة بصناعاتها الاستخراجية، تحصل على هدية عراقية بتوقيت ممتاز، وكأننا نقول للعالم المتقدم ان اختصاصنا هو انتاج المستبدين الذين يذبحون شعوبهم، او مساعدة مستبدين من هذا النوع!وفي هذا الصيف الذي لن نشم فيه رائحة كهرباء، بل سنختنق خلاله برائحة الصراع على النفط، علينا ان نسترجع الكثير من صور الخلاف حول هذا الملف الحاسم. فقبل بضعة شهور تسربت انباء عن طبيعة المفاوضات حول قانون النفط والغاز الذي ينظم علاقة بغداد بنفط البصرة والرمادي واربيل وسواهن. وكان عدنان الجنابي رئيس اللجنة البرلمانية للطاقة يعمل بصمت وتكتب عنه صحافة الغرب بحذر، وغيره من النواب يحذر بالقول: رئيس الحكومة يريد انشاء مجلس للسياسات النفطية يسيطر من خلاله على كل قضايا النفط والغاز! وحين كنت اسأل نواب البرلمان الممثلين للمحافظات المنتجة، لم تكن الاعتراضات تأتي من الكرد وحدهم، بل وجدت مخاوف لدى نواب البصرة والرمادي والكوت وسواهم، من ان تتحكم الحكومة لوحدها بقرارات صناعة النفط وتصديره.. والنواب يخشون الحكومة لانها مكونة من اناس طيبين يتعلمون ببطء ويريدون منح الاستثمار لشركة النفط السورية ويهددون عملاق النفط اكسون موبيل بالطرد!ولكي تكون لدى حكومتنا صلاحية ارساء عقد على شركة نفط تابعة لبشار الاسد، فإنها حاولت خلال نقاش مدته 5 دقائق فقط، مناقشة آخر نسخة لقانون النفط والمكونة من 50 صفحة تتحكم بمصير نصف تريليون برميل هي احتياطي العراق، كما قال الوزراء المعترضون نهاية العام الماضي.ان المنجز الوحيد لحكومتنا والذي تم بفضل دعم غربي كبير وخاصة من واشنطن التي تقوم بنحو 70 في المائة من الاعمال التنفيذية في حقول نفطنا اليوم، هو فتح قطاع البترول للاستثمار. وحماية هذا المنجز تتطلب من الجميع ان يتوافقوا على كيفية ادارته بأحدث السياقات القانونية. ومن حق اهل كل المدن ان يخشوا تراكم صلاحيات النفط لدى جهة بعينها. وفي ادبيات الديمقراطية تمثل عوائد النفط لدى دولة مركزية، لب الاستبداد. وبدل ان نشهد سجالا وطنيا علنيا حول السياسات النفطية فإن الحكومة تقحمنا في تبادل للاتهامات بين المركز والاقليم يجري استخدامه لاحقا من قبل الاحزاب لغايات انتخابية وسياسية.حكومتنا مكونة من اناس طيبين بلا شك كما يقول جاري البقال. ولانهم بطيئو التعلم فإننا دخلنا عاشر اعوام الانفتاح السياسي والاقتصادي ونحن بلا كهرباء. وبدل ان "نفتهم" ما حكاية الكهرباء هذه وما انجزته الحكومة من صيف الى صيف، فإننا سنشم رائحة الصراع على النفط بل ونختنق به على مدى شهور الحر القادمة، لكن الحكومة قد تواصل اقرار اخطر القوانين في 5 دقائق.
عالم آخر: 5 دقائق نفطية لبغداد ودمشق ايضا
نشر في: 9 إبريل, 2012: 09:34 م