احمد المهنافي نيسان 2003 تولت الولايات المتحدة حكم العراق وهو دولة مدمرة. فقد كانت عوائد التصدير القليل للنفط تذهب الى صندوق خاص في الأمم المتحدة، ومن هذا الصندوق ينفق على قوائم المشتريات العراقية المقصورة على الغذاء والدواء.
وكان شعب العراق قد تحول على مدى أعوام الحصار الى معدة جائعة ومشفى فقير وضحية يائسة، تعلوه حكومة منفصلة مترفة ومستذئبة. وكانت الدولة معدومة السيادة على مالها وفضائها وأرضها. كانت خاضعة في كل شيء للفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة. وكانت الحكومة منعت عام 1991 من الوصول الى منطقة زاخو، بعدما فرضتها قوات الحلفاء "ملاذا آمنا" للكرد. فرأت حكومة بغداد أن تنسحب من محافظات كردستان الثلاث، لإعتبارات عديدة أهمها التمكن من اعادة فرض السلطة على باقي العراق.السياسة كلها اختصرت بحاكم فرد. فلا وجود لشيء اسمه "المجتمع السياسي" أو "الطبقة السياسية". ولا أثر ل "المجتمع المدني": أي السوق الحرة والنقابات والجمعيات المستقلة غير الحكومية. فالحكومة هي كل شيء..السياسة والأمن والقانون والتجارة والنقابة والإعلام.وأكمل الغزو الأميركي هدم ما بقي من السلطة والدولة بالأمرين 1 و2 ، الأول "اجتثاث البعث"، والآخر حل المؤسسات الأمنية وعلى رأسها الجيش وأجهزة العدالة الجنائية. هذا العمل، وقبله اسقاط أحد أكثر الأنظمة فتكا في العالم، جسدا جناحي "التغيير الجذري" في العراق. أو "الثورة" بتعبير آخر. إن الإختلاف المتمثل بتولي قوة أجنبية "دور البطولة" في هذا التغيير الجذري ، لا يمنع إسباغ صفة "الثورة" عليه. كما ان قيام أميركا بدور البطولة في هذه "الثورة" لا ينفي وجود أدوار عراقية مهمة هيأت إمكانية وقوع الغزو. وكان أهم جنود هذه الأدوار هم اليأس وانسداد الأفق والجوع والخوف والعزلة الشاملة لنظام صدام.وكانت المهام الملقاة على عاتق هذه "الثورة" كبيرة للغاية: بناء قوة أمنية، إقامة مؤسسات عدالة جنائية، انعاش إقتصاد محتضر، إعادة تأهيل البنى التحتية المدمرة، تنمية طبقة سياسية، إنشاء سلطة وطنية، تشكيل نقابات وجمعيات غير حكومية، تأسيس إعلام حر.إنها مهمات "اليوم التالي" التي لم تكن إدارة بوش الإبن قد أعدت نفسها لها. الأمر الذي أظهر "سذاجة" تلك الإدارة بشكل لا يصدق. وكانت لهذه السذاجة نظائر عراقية يمكن التمثيل عليها بقناعة فنيت، وكانت راسخة لدى كثيرين منهم كاتب هذه السطور، مفادها أن العراق المحروم من الحياة جاهز للإستجابة لأي تغيير يقوده لاستعادة الحياة.واضطرت الولايات المتحدة لإشراك الأمم المتحدة في مهمات إعادة بناء الدولة العراقية. ثم بوغت الجانبان بظهور قوة محلية عام 2004 تطالب بإيجاد "شرعية عراقية" ما. هذه القوة عبرت عنها فتوى للسيد علي السيستاني، المرجع الشيعي الأعلى، قضت بضرورة كتابة الدستور بأيد عراقية. وبهذه الفتوى انقلبت "المبادرة" من الخارج الى الداخل. وعلى أساسها قامت انتخابات الجمعية الوطنية في كانون الثاني 2005 . وكتبت هذه الجمعية الدستور الدائم الثاني في تاريخ البلد. وبهذه الخطوة بدأ العراق تحمل المسؤولية الأولى عن تقرير مصيره. لقد اصبح العراق مع نفسه وجها لوجه. وأغلبية المهمات التي واجهتها أميركا بعد الغزو مازال العراق يواجهها هي ذاتها اليوم. ومازال أفق هذه المواجهة المحتدمة في عالم الغيب.
أحاديث شفوية: "الانقلاب" العراقي
نشر في: 9 إبريل, 2012: 10:04 م