عباس الغالبييعاني الاقتصاد الوطني حتى اللحظة من اختلالات بنيوية هيكلية مازالت تلقي بظلالها على معظم القطاعات الاقتصادية ، وتلازمه ظواهر تكبل انطلاقته نحو الانفتاح والاندماج مع اقتصاديات العالم ، لم تقدر الحكومة الحالية وقبلها الحكومات المتعاقبة منذ مجلس الحكم حتى الآن على المعالجة والإتيان ببرنامج حكومي اقتصادي يحتوي المشكلات ويحاكي الواقع المعيش .
وعلى الرغم من هذه الاختلالات ، وهذا المسار المتعثر للاقتصاد ، انفردت السياسة النقدية بنجاح لافت للنظر تتحدث عنه معطيات الواقع ، في وقت لم يتبجح البنك المركزي العراقي كسلطة نقدية بهذا النجاح ، وظل صامتاً طيلة الست سنين الماضية، يدحض الانتقادات والتحفظات بنتائج العمل الذي يتحقق على مستوى الممارسات بعيداً عن قرقعة وجعجعة الإعلام ، في وقت اتهم بأقسى الاتهامات ، حيث انبرى البعض وبنظرة غير علمية وغير واقعية ، ووصفوا المزاد اليومي لبيع العملة انه مدعاة لغسيل الأموال ، وهو في حقيقة الأمر أحد أهم الأدوات التي استخدمها البنك المركزي للحفاظ على سعر صرف الدينار العراقي اتجاه العملات الاجنبية ، وحتى المتتبع العادي يرى ثبات سعر الصرف لفترات طويلة ، والجهد الكبير الآخر للبنك المركزي يكمن برفع الاحتياطي النقدي الأجنبي الذي يعد بحسب المنظور الاقتصادي خير داعم وساند وغطاء للعملة المحلية .وفي جميع بلدان العالم المتحضر المتطلع للديمقراطية يتعامل مع البنك المركزي كسلطة نقدية مستقلة غير خاضعة للإرادات السياسية والحكومية حتى في أكثر البلدان استقراراً وثباتاً في النهج الديمقراطي ، لكن ما يجري في العراق يخالف هذه المبادئ ويتقاطع معها ، لان محاولات الحكومة لإخضاع البنك المركزي لسلطتها بضوء قرارها الأخير يدعو للتساؤل ، هل ان البنك المركزي فشل في سياسته النقدية وأحدث انعكاسات سلبية في قطاع المال أولاً ، ثم في القطاعات الاقتصادية الأخرى التي تعاني هي أصلاً من سبات عميق ، لا ادري هل تتعامل الحكومة مع المؤسسة الاقتصادية الوحيدة التي حققت نجاحاً ملموساً خلال الفترة الماضية لتذهب بآراء المعترضين والمتحفظين من دون ان توضح اسباب هذا القرار .ندعو الحكومة لتثبيت ملاحظاتها السلبية على البنك المركزي او تبيان الأسباب الموجبة لهذا القرار الذي نراه تكبيلاً وتحجيماً لمهمات ودور البنك المركزي ، وتكريساً للسلطة الاقتصادية المركزية التي تجعل من الحكومة الآمر والناهي والمسيطر على كل شيء ، في وقت يتحدث الدستور عن اقتصاديات السوق التي يفترض ان تركز على استقلالية مثل هكذا مؤسسات اقتصادية .الأمر يدعو للدهشة والاستغراب في وقت نحن أحوج ما يكون لمثل هكذا كفاءات يزخر بها البنك المركزي العراقي .
فضائيات: البنك المركزي . . وإرهاصات الحكومة
نشر في: 10 إبريل, 2012: 09:28 م