احمد المهناعندما حدث التغيير عام 2003 كانت فكرة "المصالحة" شيئا مما لا يمكن التفكير فيه. فقد كانت الضحية تتقدم على الساحة السياسية، وكان "الآخر" يتهاوى. ولم تكن الأرض ممهدة بأي طريقة من الطرق للحوار، وبالتالي المصالحة بين الجانبين.
ثم، وعلى شيء من التردد، بدأت كلمة المصالحة تقبل وتظهر على سطح الكلام السياسي. ولكن ظل مضمونها غامضا. فالداعي الى "المصالحة" معروف، ولكن المدعو مجهول. الداعي يمثل هذا الطرف أو ذاك من أطراف "العملية السياسية". أما المدعو فغامض كل الغموض. ولذلك طالما تكرر السؤال: من يصالح من؟والمعروف هو أن مفهوم المصالحة يتعلق بعدوين. مثلا المؤتمر الوطني الأفريقي من جهة ونظام الفصل العنصري من جهة أخرى في جنوب أفريقيا. البيشمركة والجحوش مثل آخر في كردستان العراق. الفلسطينيون والإسرائيليون مثل ثالث وهكذا.في الحقيقة كان "الآخر" المقصود بالمصالحة طرفين. الأول هم "البعثيون غير الصداميين". خصوصا بعد أن حكم الدستور ب "تطهير" العملية السياسية من "البعث الصدامي". والبعثيون غير الصداميين أنواع منهم، مثلا، ما يسمى بجماعة سوريا من البعثيين، وهم من أقدم فصائل المعارضة العراقية لنظام صدام. أما الطرف الثاني المقصود، فهم جنرالات الجيش العراقي (ما بين عميد الى فريق اول). وكان لدينا عدد كبير جدا، حتى بالقياس الى جيش الدولة الأعظم في العالم. عندنا 11 الف جنرال مقابل 300 في أميركا.مع الحرب الطائفية بين 2006 - 2007 ، أصبح للمصالحة، ودون أن تتحقق الأولى، مضمون آخر، تحدد بطرفين هما الشيعة والسنة. وقد تراجعت سخونة هذا الفصل من الصراع شيئا فشيئا، الى أن أخذ شكل الصراع الانتخابي في اقتراع 7 آذار 2010 .بعد تلك الانتخابات تراجعت فكرة المصالحة من التداول السياسي، وحلت فكرة "المشاركة" محلها. فقد تحدد موضوع الخلاف، وموضوع الصراع بين أطراف العملية السياسية، بفكرة "المشاركة" الجدية في السلطة. والسلطة في المقام الأول هي الجيش والمخابرات واجهزة العدالة الجنائية من شرطة وقضاء.إن اطراف العملية السياسية مختلفون اليوم اشد الإختلاف في موضوع هذه المشاركة. وهم في نفس الوقت متفقون كل الإتفاق على أن " الحوار" هو الوسيلة الوحيدة لحل الخلاف. ولكن ما نراه في الواقع هو أن "العقد" أمام الشروع في هذا الحوار تزداد إستعصاء يوما بعد آخر. لقد اصبح اللقاء بين المالكي وعلاوي، او بين البارزاني والمالكي، أشق من اللقاء بين عدوين تاريخيين مثل محمود عباس وبنيامين نتنياهو. واذا كان اللقاء، مجرد اللقاء، على هذه الدرجة من الصعوبة، فماذا نقول في إمكانية "الحوار" بينهم؟ الحوار بالمعنى الحقيقي، اي الذي يبدأ ببناء جسور تواصل انسانية، ثم يمضي ليتناول مشكلات الخلاف الفعلية، بلوغا الى فهم مشترك لكيفية تسويتها.والحوار عادة ممكن بين الراشدين، سواء كانوا اعداء او أصدقاء. ولكنه متعذر عادة بين فئات محددة بسبب نقص أو انحراف لديها في العقل، مثل الأطفال، المجانين، المتعصبين، أو بين مجرم صمم على ارتكاب جريمة وبين ضحيته، بين الدكتاتور والرعية، وبين أصحاب مشاريع متعارضة تعارضا جذريا.فإلى أي فئة من هؤلاء ينتمي زعماء العملية السياسية؟ وهل سينتهي الأمر بهم الى أن يكونوا غدا هم موضوع "المصالحة"؟ وعندئذ هل سيكون العراق الواحد قائما؟
أحاديث شفوية: "المصالحة" أمس وغدا
نشر في: 10 إبريل, 2012: 10:13 م