أحمد خلف ما الذي يصنعه المثقف يجد نفسه في معرض ساهم في إقامته اكثر من ثلاثمئة دار نشر عربية ومعظمها دور مرموقة وبارزة ومعروفة، ينظر الى امهات الكتب المترجمة والموضوعة والاخرى التي تتحدث عن ادب السيرة او الرحلات وكذلك في توصيف ظواهراجتماعية وسياسية طغت على المشهد الثقافي بصورة عامة..
لماذا كلما دخلت معرضا في معارض الكتب مددت يدي على حافظة نقودي المتواضعة منذ رأت النور معي، ماذا ينبغي علينا ان نفعل والكتب ذات الأغلفة البراقة المبهرة تنادينا وكالفتيات الجميلات يؤشرن لنا بطارف العين وبحركة مغرية من الإصبع، الغلاف والعنوان يجعلان من الدورة الدموية في حركة دائمة، نشطة، سريعة، تحرك خلايا العقل والقلب باتجاه اقتناء كل ما نشعر اننا بأمس الحاجة لاقتنائه والحصول عليه من الكتب التي نحبها ونريد حيازتها، تلك المسألة تغدو في بعض الاحيان مسألة مصير. حين كنت في القاهرة عام 2010 لحضور مؤتمر الإبداع للرواية العربية، أذهلتني الكتب في المكتبات الخاصة التي تعرض بضاعتها علينا، مكتبات ثم مكتبات لا تحوي سوى الكتب، انواعها، اصنافها، ومناهجها، كتب ذات نكهة شديدة التأثير على النفس، كتب لها مقدرة الحوار مع العقل، الكتب التي ضيعناها نحن، انا وانت وهو وهي، كلنا الذين بعنا مكتباتنا في تسعينيات القرن العشرين، حيث اشتدت وتيرة الجوع والعوز والفاقة حين تورط النظام في حرب لا معنى لها وفي غزو لم يجلب لما سوى الحصار.. اليوم، بات علينا كلنا، نحن الذين ضيعنا ثروة الوطن في بيعها مضطرين في زمن الحصار، علينا اعادتها وليس امامنا إلا احتواء كل جزء او صفحة لم يتيسر لنا الفوز بها، ليس امامنا إلا دخول المعارض التي تغص بالكتب الثمينة التي تحاكي ثراء الروح وتعمل على صناعة العقل بجدارة وأريحية، مقابل ما فعلته مكتبات بيع الكتب في ميدان طلعت حرب في القاهرة. يأتي اليوم معرض أربيل الدولي للكتاب.. لا أُريد ان اتحدث عن المدى الغراء، لئلا أثير حفيظة الآخر الذي ينظر اليها كمؤسسة بعيني الغيرة او الحسد، او.... لن اتحدث عنها، لكني اريد الحديث عن الثقافة التي يمكن ان تصنعها معارض الكتب من بينها المعارض التي تقام تحت اشراف ورعاية المدى، دائما اجد في او كل معرض تقدمه المدى سواء كان معرضا كبيرا او مختصا بنوع معني من الاصدارات، سوف نجد ذلك الانفتاح على مختلف منابغ الثقافة، اي اننا لن نجد احادية الثقافة التي لا تصنع إلا عقلا أحاديا وربما ضيقاً لا يعي الكثير مما يتوجب عليه كمثقف، اعتقد ان هذه هي احدى مهمات معارض الكتب، تأسيس ثقافة ديمقراطية، ثقافة متعددة الاتجاهات، لها مقدرة صناعة الحوار المشترك بين الثقافات المتعددة، وعليه سوف نظل نتذكر تلك الايام التي عاشتها مكتباتنا وعدد محدود من انواع الكتب او اصنافها، ما الكتب الممنوعة او التي كانت تُثير فينا نزعة الحيطة والحذر ليس من قراءتها او الترويج لها، انما من حملها من مصدر حصولنا عليها حتى وصولها الى البيت، تلك الكتب السرية، الممنوعة، التي تجعل الدم يهبط من اجسادنا الى درجة الارتباك، الآن التقينا بها وسنلتقي دائما في معارض الكتب لان الكتب او المعرفة تجيد الدفاع عن نفسها، ينبغي ان نتذكر ما فعلته الكتب في رائعة امبرتوايكو " اسم الوردة " ألم أقل لكم للكتب سلاحها الجبار الذي ينتقم من خصومها أعني جلاديها او العاملين على حرقها،الكتب تلك عادة الطغيان، والبغاة وأعداء الثقافة والتاريخ، تعالوا نقيم كرنفالا للكتب وان سبقتنا المعارض الى اقامة ذلك الكرنفال الموعود لا خلاف على غلاء اسعار الكتب ولا خلاف بيننا، ان ندخل لعبة المفاضلة بين رواية " انس- حبيبة روحي " لايزابيل الليندي وبين " كيف تحكي حكاية نزوة القص المباركة " لغابريل ماركيز، تفكر في الامر طويلا، لكن تسقط من يدك المفاضلة فتضطر الى شراء الإثنين مضطرا ولا مفرّ من تنفيذ ما يشير به عليك القلب، فهو ضعيف ازاء الجمال الذي تصنعه الرواية، متعة القص وفتنة السرد وتأليه الحكاية.. يا إلهي تلك هي بهجة التعب ومتعتها التي توفرها لنا ثقافة المعارض.
ثقافة معارض الكتاب
نشر في: 11 إبريل, 2012: 10:07 م