اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > المدى الثقافي > في حضرة قناديل الفرح والجمال

في حضرة قناديل الفرح والجمال

نشر في: 11 إبريل, 2012: 10:16 م

فاروق صبريلم أكن أعرف أن الفرح يوسّع المكان حينما كنت داخل البيت الضيق جداً حتى في شباكيه الوحيدين، اللذين لا يعرفان طعم النسيم والهدوء وضوء الشمس بسبب ازدحام البيوت وصخب ساكنيها وغير صوت الفئران وهي تتراكض كلما تتساقط بقايا المأكولات والأكياس الصغيرة والصرخات القادمة من الجيران.
لكن هذه الليلة وأنا انتظر فجرها شعرت برحابة البيت وكأنه فضاء رحب يهب من منافذه الهواء العليل والحمائم وفيروز وكدت أوقظ زوجتي وابني صبري وابنتي رهام كي يشاركونني هذا الفرح الذي صار بستان بهجة افتقدتها منذ زمن طويل بعدما عرفت بأنني سوف التقي أخواتي لكني ودعت نعاس عائلتي الصغيرة الفجري بمحبة وقبلة ومعانقة عراقية وشمتها أمي في روحي وتوجهت إلى الفندق حيث يجتمع شمل المتوجهين صوب الوطن.وهناك في بهو فندق دمشقي ازدحمت الحقائب والمشاعر والضحكات لقادمين من كل جهات الكون كتّابا وشعراء وفنانين وإعلاميين عربا وعراقيين كثيرين ربما لا تسعفني الذاكرة على ذكر أسمائهم لكنني أذكر الشاعرة الجزائرية زينب الأعوج والشاعر عبدالكيم كاصد والروائي شاكر الأنباري وابن مدينتي كركوك الكاتب فاضل العزاوي والكاتبة فاطمة المحسن والكاتب فالح عبدالجبار والفنان محمد سعيد الصكار وآخرين. توجهنا جميعاً إلى مطار دمشق الدولي كمثل سرب من أطفال يتراكضون، بل ويتسابقون في ما بين بعضهم في ركوب مراجح العيد، وركبنا طائرة صغيرة قديمة الطراز وروسية الصنع، بعد ثلث ساعة من الطيران ودون سابق إعلان من قبل كابتنها عادت الطائرة وهبطت في مطار دمشق، اندهشنا من هذه العودة المفاجئة لكن الكابتن فاجئنا هو الأخر قائلاً: الحمد الله على سلامتكم يا جماعة كادت طائرتنا ان تسقط بسبب حدوث شرخ في نافذتها الأمامية!! وتحوّلت دهشتنا إلى ضحك جماعي تخللته نكات مبتكرة وتعليقات سريعة ومنها ما قلته: لو الطائرة سقطت كانت عناوين جريدة الثورة والجمهورية البارزة غداً...سقوط خونة العراق من مثقفي موائد الأجنبي!تباينت الآراء ما بين العودة صباح الغد إلى المطار أم السفر عبر "البولمان" الضخم مساء اليوم وكان الحسم الرائع الخيار الأخير وكانت رحلة طويلة لكنها جميلة لم نستطع الركون قبيل مغيب الشمس أو النوم ليلاً وبل جعلنا من ممر وكراسي "البولمان" فسحة للغناء والقصائد وتذكر الاحداث الحزينة والمفرحة والأصدقاء الذين غابوا أو تأخروا عن هذا الركب الثقافي المتألق المتوجّه إلى مهرجان المدى الأول الذي سوف يحتفي بشاعر العراق الأكبر محمد مهدي الجواهري.  وصلنا القامشلي وعند طرفها القريب للحدود السورية – العراقية وفي مطعم جميل تناولنا الفطور بعجالة وشهية عاليتين ونحن نقاوم النعاس اللذيذ الذي أزاحه نهر صغير يربط بين أرض الزيتون النبيلة سوريا وأرض الرافدين الجريحة التي أقصيت منها عام 1979. وعبر مياه نهر "فيش خابور" والمسمى كردياً  بـ"الروبار" وفوق "عبّارته" الخشبية الصغيرة جداً انتقلنا إلى جهة العراق على شكل مجاميع كل مجموعة من خمسة أفراد وكانت روحي تنزف الحنين وترتل أغنية كتبها شاعر الكرد الكبير عبدالله كوران ولحنها وغناها المبدع عمر دزي:بروانه شاييّه جوبيّه له و مالهكو بكرا دهوله شمشاله زرنايه.... في محطة استراحة أولى كنا بين أريج "البيشمركة" الذين رحبوا بنا بلهجة بهدينانية رائعة وحنين أرض تمدد بقامته الشامخة فوقها المبدع محمد سعيد الصكار وصار يقبلها ودموعه تتساقط كمطر السيّاب لتروي ترابها، وبعد شرب "استكانات  الجاي" انطلقت سرب السيّارات في الطريق إلى مدينة الجسور، زاخو وفيها قضينا قرابة ليلتين في فندق فخم ومريح حيث التقينا بجمع كبير من الأدباء والشعراء الكرد.وقبل أن نصل "هولير" عرفت بأن أخواتي ينتظرنني في مدينة "شقلاوة" التي تجلس على عرشها المسمى بجبل "سفين" وتتطلع باسمة نحو غابات اخضرار كثيفة ووديانها المضيئة بالينابيع ومياه النهر "البارد" المتدفقة نحو نهر "الزاب الكبير"، وفي المفترق الذي يؤدي إليها كانت ودعت مؤقتاً من كان معي في السيّارة، وإذا بأحد الرفاق ينتظرني، رحب بي وأخذني بسيّارته إلى المكتب وبعد معانقة الرفاق الرائعين سألت أين هن أخواتي؟استرح قليلاً وستأتي أخواتك إلى هنا، هذا ما قاله لي الرفيق الذي رافقني إلى المكتب لم أتحمل الانتظار وشعرت بالاختناق رغم النسيم العليل الجبلي لذلك قررت الذهاب إليهن كي أتنفس بهن نسيم فقدته قرابة أكثر من ربع قرن، وبعد لحظات أوصلتني سيارة الحزب إلى الفندق الذي تقيم فيه أخواتي، نظرت إلى يميني وإذا بجمهرة عباءات سوداء تفرش أرضية الرصيف وحينما توجهت نحوها تفتحت كنرجسات آذارية وهلاهل وملبس وإذا بها تغمرني بالقبلات والعناق، ها هن أقمار كركوك الخمس، أنارت روحي وطردت منها وحشة المنافي.أخواتي الخمسة اللواتي تجنبن عيون عسس عهد الاستبداد وعانين وحشة وخطورة طريق الوصول إليّ لم ينسين تحضير "جدرية الدولمة" التي أشعلت النار تحتها، واحدى أخواتي تعلي صوتها بالهلاهل وترفع يدها إلى السماء قائلة: يا الله إحرس الأستاذة &quo

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

أصابع بابلية' لأحمد مختار تتوّج عالميا

أصابع بابلية' لأحمد مختار تتوّج عالميا

في استفتاء موسيقي تنافسي سنوي حصلت إسطوانة “أصابع بابلية” للمؤلف الموسيقي وعازف العود العراقي أحمد مختار على مرتبة ضمن العشر الأوائل في بريطانيا وأميركا، حيث قام راديو “أف أم للموسيقى الكلاسيكية” الذي يبث من...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram