محاورة مع أندريه ميكل 1/2تقديم وترجمة : حسين عجة بمناسبة صدور الجزء الأول من "ألف ليلة وليلة" عن منشورات "بلياد" Pléiade الشهيرة، التي يشرف على نشر أجزائها الكاملة الباحث، الكاتب، الرحالة والمستشرق الفرنسي المعروف اندريه ميكل؛ عاشق اللغات، النصوص والآثار الموغلة في قدم الشرق العتيق وما ينطوي عليه وجوده من أسرار وكشوفات؛ اندريه ميكل الذي عايش عن قرب كل الأحداث التاريخية الكبرى والصغرى منها، التي عرفها العالم العربي والإسلامي المعاصر، لاسيما في مصر ودمشق،
ولكن العراق أيضاً، الذي يقول عنه أنه كان يقطع الصحراء التي تفصل ما بين بغداد والشام، في أعوام الخمسنيات، لكي يلتقيه بكل فرح ودهشة. بيد أن اهتمام ميكل بتاريخ وثقافة شعوب هذه المنطقة لم يكن لينفصل، في الحقيقة، عن شغفه وبحثه الذي لا يكل في تضاريس جغرافية تلك البلدان. ليس هذا فحسب، بل وأيضاً ولعه الخاص والاستثنائي بقراءة وفك رموز وتأثيرات الجغرافية في الكتابات والإبداع الأدبي؛ وذلك منذ سن العشرين من عمره وحتى اليوم، أي لأكثر من 60 عاماً : لقد كتبَ اندريه ميكل أكثر من مائتي مقالة علميه، تضاف إلى أكثر من أربعين كتاباً عن الإسلام. غير أن التنقيب والبحث عبر خرائط الجغرافيا والتاريخ لم يحرمه من إنتاج إبداعه الخاص، الذي يشمل أكثر من عشرين كتاباً من السرديات، الروايات والأشعار. لقد كلفت "المجلة الأدبية" الكاتب وصديق ميكل بإجراء محاورة مطولة مع هذا الصرح الثقافي والإبداعي، يتحدث فيها ليس عن مسار حياته الشخصية فقط، ولكن أيضاً عن كل المحطات واللحظات المتفردة التي عاصرها وجاب آفاقها.rnالمحاورة* بييار مارك بيازي: كيف تولد لديك إغواء الشرق، هل من قراءتك الأولى في الطفولة؟ - اندرية ميكل : في الطفولة! كلا. الصحيح هو أني عندما كنتُ طالباً في معهد المعلمين، في عمر 18 عاماً، كنتُ قد قرأتُ ترجمة للقرآن، أي ترجمة "سافاري" Savary التي سحرتني. لقد اهتممت حقاً بتلك الترجمة، ولكن ذلك أيضاً من أجل تمييز نفسي عن الآخرين. فكل واحد منا كان يبحث لنفسه عن « look »، عن تفرد مُظهري نوعا ما. أنا، كنت المُستشرق. لكن، ولكي أكون دقيقاً، لا بد لي من القول بأنه قبل ذلك بقليل، أي حينما كنتُ في الثانوية، في عام 1946، شاركتُ في مسابقة عامة في مادة الجغرافيا : كانت الجائزة التي حصلتُ عليها هي سفرة في بلاد المغرب العربي الكبير؛ أن تلك السفرة عبر المناظر الطبيعية لتونس، الجزائر والمغرب قد تركت انطباعات قوية في نفسي. * ومع ذلك، كنتَ قد اتخذت قرارك مبكراً، لأنك شرعت بتعلم اللغة العربية وعمرك لم يتجاوز العشرين عاماً، ولم يكن ذلك القرار عادياً.- اندريه ميكل : أجل، ما عدا أن نيتي الأولى لم تكن تعلم العربية، ولكن الفارسية. في العمق، كنتُ قد تساءلت مع نفسي لم لا أضيف لغة خامسة للغات الأربعة التي كنت أتقنها – الفرنسية، اللاتينية، الإغريقية والألمانية- حتى أتمكن، في الأخير، من القيام بدراسات ألسنية وأدبية في مجال الأدب المُقارن. لذا ذهبت إلى مدرسة اللغات الشرقية، الذي جعلني مديرها السيد "ماسه" Massé أدرك بسرعة بأنه لن أحظى بمكانة لدراسة اللغة الفارسية، ذلك لأنه لم يكن هناك سوى مقعد واحد مخصص لها وقد شغله رفيقي الأكبر مني سناً وهو جلبرت لازار Gilbert Lazard. وهكذا اكتشفت بأن تكون لأحد طلاب مدرسة المعلمين الشجاعة لكي يكون مستشرقاً قبلي (لقد قابلت العديد منهم، بعد ذلك! لكن المرء في سن العشرين يثق بنفسه ولا يساوره الشك بأي شيء) ولم يكن للفضول الثقافي من إمكانية أن يتحول إلى ما هو عملي إلاّ إذا ما قبل صاحبه بالأماكن الشاغرة. وباختصار مالَ حظي من الفارسية نحو العربية. تابعت إلى حد ما دروسي في مدرسة اللغات الشرقية، لكني كنتُ أجهد وحدي، باعتمادي على قاموس صغير وبمعونة أحد الطلاب المغاربة، بدافع اللذة ومن دون تحديد هدف بعينه. لقد أوصلني العام الثالث من دراستي في تلك المدرسة إلى الإنسانيات للحصول على شهادة الأستاذية، في مادة النحو؛ وفي العام التالي، 1953، حصلت على بعثة من قبل المعهد الفرنسي في دمشق، لكي أحسن من لغتي العربية. * عاما 1953 - 1954، إذا لم تخنِ ذاكرتي، كانا بمثابة مرحلة قلقة في سوريا، متعلقة بتغيير النظام، أليس كذلك؟ كيف كان المناخ السياسي حينها؟ - اندريه ميكل : أجل، لقد كانت هناك تحركات – سقوط الشيشكلي، في شباط/ فبراير 1954، لكنها كانت ثورة هادئة. في الواقع، لقد كنا نتجول في كل بلدان الشرق الأوسط بسلام. كان بمقدور المرء السفر إلى العراق بسيارة باص عادية عبر الصحراء. بالمناسبة، لقد كرست تلك السنة من أجل اكتشاف المنطقة : كنتُ قد تزوجت منذ وقت قريب، لذا كانت سفرة شهر عسل رائعة. بيد أني كنتُ قد شرعت كتابي الأول : ترجمة كليلة ودمنة، وكذلك الطبعة العربية لأساطير بيدبي fables de Bidpi، وهي نصوص أصلها هندي، التي كانت قد ترجمت في البدء إلى الفارسية ومنها إلى العربية. لقد صدرَ الكتاب في عام 1957 في طبعته الفرنسية، عن دار نشر "كلنكسيك" Klincksieck، لكني كنتُ قد شرعت بالعمل منذ عام 1954 في دمشق. * لقد قطعت الخدمة العسكرية، في عامي 1954 - 1955 ، عملك، لكنك ما أن عدت إلى حياتك المدنية حتى طالبت بالحصول على عمل في السلك الدبلوماسي، لماذا؟ - اندريه ميكل : في الحقيقة، كانت رغبتي هي الرحيل ثانية إل
كيف يصبح المرء مستشرقاً؟
نشر في: 13 إبريل, 2012: 06:36 م