أوس عزالدين عباسمن أهم المشاكل التي تواجه الدول الضعيفة بالخصوص مشكلة بناء مؤسساتها ونظامها التنظيمي والقانوني ، وإذا كانت الدول المتقدمة ، وبالتحديد الولايات المتحدة الأمريكية ، ودول أوروبا الغربية وكوريا الجنوبية واليابان ، ودول أخرى من جنوب شرق آسيا قد تجاوزت مرحلة البناء المؤسساتي ، وشيدت نظامها الديمقراطي حتى أصبحت توصف بالدولة القوية المقتدرة ،
والتي تكون قوة قدرتها قد تحققت إلى أقصى درجات التحقيق ، فإن الدول الضعيفة ، وهي الدول التي تفتقر إلى الاستقرار الأمني والسياسي وتعاني الضعف الاقتصادي وفساد جهازها الحكومي إلى درجة خطيرة ليشكل واحدا من أبرز معالم ضعفها ، فإن هذه الدول تواجه مصاعب متعددة وقاسية في مرحلة البناء المؤسساتي والقانوني والدستوري ، على الرغم من المعونات والمساعدات المقدمة من الدول القوية إليها .وكما يشير المفكر ( فوكو ياما ) في كتابه ( بناء الدولة ) فإن عملية نقل المعارف والعلوم والمساعدة الفاعلة في عملية بناء الدولة تواجه عثرات في عملية الانتقال ، بالإضافة إلى أن عملية نقل الثقافة الاجتماعية ، التي يطلق عليها (الرأسمال الاجتماعي)، فإنها تبدو أكثر صعوبة في هذا السياق، والحقيقة أن الرأسمال الاجتماعي السائد في أغلب الدول الفاشلة والضعيفة يشكل المعيار الأكثر وضوحا في إعاقة البناء المؤسساتي والقانوني للدولة ، فإذا كانت الثقافة المتعذرة في الأمور الإدارية لطبقة الموظفين في كوريا الجنوبية واليابان تعد النزاهة والاستقامة وأداء المهام بشرف، فإن هذا يشمل أيضا الجهاز الإداري الأوروبي الغربي أيضاً.ولذلك فإن ما يمكن ملاحظته من انتشار لقيم تؤكد روح الاتكالية والاستئثار بالسلطة واستغلال المناصب الإدارية لحساب المصالح الشخصية للمدراء والوكلاء المسؤولين عن الإدارات العامة في دول الشرق الأوسط ، التي فيها تتحول عملية المحاسبة والمراقبة إلى ما يشبه المستحيل ، خاصة في ما يتعلق بالخدمات الأوطأ قدرة على مراقبة درجة إنجازها وتحققها . فعلى سبيل المثال ، وهو ما يشير إليه ( فوكو ياما ) فإن المؤسسات التعليمية والتربوية هي الأكثر صعوبة في عملية المراقبة والمحاسبة، فمن يستطيع تقييم أداء مديري المدارس والمدرسين حتى لو تشكلت لجان مشتركة في المدارس لمجالس الآباء والمدرسين ؟ إذ أن هذه المجالس ليس لها قدرة المحاسبة لأنها أساسا غير قانونية ، ويبقى الحل في عملية انتقال القيم والمعايير السائدة لبناء الدولة ، التي تقتصر على النخب المتعلمة في جامعات ومعاهد الدول المتقدمة وفي مراكزها التأهيلية ، فإن هؤلاء يحاولون نقل هذه القيم إلى دولهم ، لكنهم يواجهون مشاكل وصعوبات في طريق عملهم مادامت هذه القيم لا تمتد بجذورها في البنية الاجتماعية للبلد المقصود بالبناء أو إعادة البناء ، وهنا يتم طرح الحل الطويل الأمد الذي يحتاج إلى سنوات طويلة لإنجازه المتمثل بنشر هذه القيم عن طريق التربية والتعليم ووسائل الثقافة والإعلام المتنوعة .ولكن تبقى عملية بناء المؤسسات الإدارية أو إصلاحها هي المهمة المتقدمة لعملية الازدهار والنمو الاقتصادي والسياسي ، ففي الدول الضعيفة تمتاز المؤسسات الإدارية بمستوى منخفض من الأداء والكثير من التعقيد ، مما يعيق خطوات التنمية والاستثمار وتقديم الخدمات ، فعلى سبيل المثال إن المدة الزمنية المطلوبة للحصول على إجازة تأسيس شركة في أي دولة من الدول المتقدمة لا تتجاوز الأيام القليلة ، فإن هذه العملية في بعض الدول الضعيفة تتطلب شهورا من الدوران على مفاصل إدارية تمتد أذرعها في كل الاتجاهات .إن الدولة هي الكيان الذي له الحق وحده في امتلاك واستخدام وسائل الفرض والإكراه ، وهذا يتطلب مؤسسات قادرة على تنفيذ إرادة الدولة ومصالحها العامة و يستدعي وجود منظومة قانونية متكاملة وقوة إجرائية فاعلة لفرض القانون والنظام ، فقد تكون الدولة قد نظمت لوائح قانونية ودستورية لكنها عاجزة عن تحقيقها بالدرجة المطلوبة ، وهنا تبدو الفروقات الهائلة بين دول تمتاز بقدرة قوتها وبنائها المؤسساتي المتكامل والمنسجم وبين دول لا تمتلك قوة مؤسسات فاعلة لتنفيذ قوانينها ، مما يوفر لها الاستقرار والتقدم السياسي والاجتماعي والاقتصادي.
بناء الدولة من خلال نقل المعارف
نشر في: 15 إبريل, 2012: 07:16 م